ملخص لعريضة في العهد العثماني الثاني من مشائخ وأعيان فزان .
 

ملخص لعريضة في العهد العثماني الثاني من مشائخ وأعيان فزان .
توضح:
معاناة إقليم فزان من مأمور الحامية العسكرية بالولاية - لإساءته إستخدام السلطة في العهد العثماني الثاني
دخلت ليبيا تحت سلطة الدولة العثمانية بعد طردهم لفرسان القديس يوحنا منها سنة (957 هجري/ 1551 ميلادي) وأستمر العهد العثماني الاول في ليبيا إلى سنة (1123هجري/ 1711 ميلادي). وحدتث في تلك السنة ثورة شعبية بقيادة الضابط العثماني أحمد باشا القرمانلي واطاحت بالوالي لا نقاذ البلاد من الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية وإلى جانب ثقل الضرائب المفروضه على الناس . فوعدهم أحمد القرمانلي بأجراء اصلاحات في البلاد. وتمكن احمد القرمانلي من السيطرة على طرابلس، وتحصل على موافقة السلطان العثماني لتعينه باشا على ليبيا ومنحه صلاحيات واسعة من الحكم الذاتي سنة(1123 هجري / 1711 ميلادي)، واستمر هذه الاسرة في الحكم إلى سنة ( 1251 هجري/ 1835 ميلادي). وفي تلك السنة قرر السلطان العثماني محمود الثاني إلغاء الحكم الذاتي لهذه الاسرة المالكة، وقام بالحاق ليبيا لسلطته المركزية , ومن هنا بدأ العهد العثماني الثاني في ليبيا.
ومن الاسباب التي أدت لعزل هذه الاسرة من الحكم بسبب تدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية وازدياد الفوضي في البلاد والتي حدثت في الحقبة الاخيرة من حكم يوسف باشا، وكذلك خوفا العثمانيين من خسارتهم لليبيا، فهي تمثل لهم موقع استراتيجي هام لدولتهم . وأستمر هذا الحكم العثماني إلى سنة (1329 هجري /1911 ميلادي). واتصف العهد العثماني الثاني في ليبيا بحكم مركزي صارم، ومقنن ومنظم، خصوصاً فيما يتعلق بجباية الضرائب والامور المالية عموماً، اللهم عدا بعض من المناطق التى حدث فيها خلل وتجاوز من قبل المسؤولين فيها، خاصة الداخلية. وذلك بسبب كبر مساحة البلاد وطرقها الوعرة وصعوبة الوصول إليها.
وفي هذا الشان، أفادت بعض المصادر التاريخية إن سكان ولاية فزان في العهد العثماني الثاني كانوا يستنكرون ممارسات الحكام والموظفين خاصة فيما يتعلق بأستغلال النفوذ والاجحاف في تقدير الضرائب ووسائل جمعها. وفي هذا الخصوص، كانوا يرفعون العرائض (الشكاوى) إلى المتصرف ثم إلوالي وأحياناً إلى الاستانة إذا لزم الامر (1). ومن الملاحظ وبحسب علمنا من الدارسات المنشورة فإن معظم الشكاوي المقدمة من أهالي فزان في العهد العثماني الثاني كانت ضد المسؤولين المدنيين في الولاية مثل القائمقام أو المحاسبين والاداريين، بينما لم نلحظ وجود دراسات منشورة تتعلق بشكاوى مرفوعة ضد أصحاب الرتب العسكرية بالولاية.
ففي هذه العريضة ( الشكوى ) والتي نقوم بتلخيص أهم ما جاء فيها، والتي قدمها وجهاء فزان ضد مامور الحامية العسكرية بالولاية في العهد العثماني بتاريخ 1299 هجري. وهي تبين كيف استغل مسؤول الحامية العسكرية ( القول أغاسي ) بولاية فزان؛ سليمان أغا سلطته العسكرية وقام بتوظيفها في التدخل في الشؤن المدنية والملكية بالولاية وتسيرها لصالحه . علماً بأن هذا المنصب العسكري يأتي في الترتيب الثاني مباشرة بعد منصب القائمقام (أي بعد المتصرف) من حيث الاهمية في الهيكل الاداري. وتشير المصادر بأنه كان تحت تصرف مأمور هذه الحامية العسكرية 500 جندي من المشاة وعدد من الخيالة وأربع مدافع، علماً بأن الجنود كانوا من أهالي فزان، بينما الضباط وضباط الصف كانوا من العثمانيين (١).
فهذه العريضة مقسمة إلى إحدى عشر بنداً . وفي البند الحادي عشر والاخير يتضمن تقريبا خلاصة كل بنود العريضة التي أرسلها بعض من أعيان فزان إلى سلطات الدولة العثمانية، متقدمين بها ضد هذا المسؤل العسكري بولاية فزان. وذكروا فيها بأن سكان فزان كانوا يشعرون بالراحة والطمأنينة تحت حكم هده الدولة العلية !. فلم يحصل مثل هذا الاعتداء من قبل ولامن المسؤلين العسكرين السابقين ولم تحدث منهم أخطاء تمس بمصالح الناس . ولكن عندما تولى سليمان أغا إدارة الحامة العسكرية بولاية فزان وصحبته لبعض ضعفاء النفوس وخاصة بن علي يوسف بدأت الامور تأخد منحاً جديداً تتمثل بالاضرار بمصالح الناس والاعتداء على أملاكهم وكرامتهم واذلالهم .ولم يسلم من ذلك حتى قائم مقام لواء فزان مصطفى فائق باشا، لم يسلم من الشتم والاهانة التوبيخ والتهديد وإيطالة اللسان بالقول الذي لا يليق. فأصبح عاجزًا عن الدفاع عن نفسة فما بالك بحال الرعية ولذلك أجبرنا بالخروج من البلاد والقدوم إلى أعتابكم والتمسك بأيديكم الرحيمة تجنبا لما هو اسواء . وقد شرحوا في عريضتهم هذه مافعله المسؤول العسكري ببعض القرى من نهب وسرقة وتدخله في الشأن الداخلي مما تسبب ذلك في إضعاف الدولة وقهر المواطن وسيطرة المتنفدين في السلطة.
وقد افاد الاعيان بأن سليمان أغا قد تسلط على أهالى فزان في المركز( مدينة مرزق ) وغيره من القضاءات. حيث إنطلق مسؤول الحامية العسكرية المذكور أعلاه بولاية فران لقضاء القطرون بمجموعة من عساكره بحجة المحافظة على نخيل الاهالى والقوافل القادمة من بر نوح لحمايت القوافل من الاعتداء عليها. ولكن عند صولهِ قام بجمع المرابطين وغيرهم من أهالى القرية وحبسهم في الشمس في شدة حرارتها ، وأمر الجنود بضربهم وأخد ما عندهم من مصروف ودراهم وخبز ولحم وكل ما عندهم. وكان سبب الاجراءات التعسفية التي قام بها سليمان اغا من أفكار صديقه بن علي يوسف لكي يتحصل الاخير علي ديونه المنقطعة على أهل البلدة. بينما الاشخاص المغرمين قد فروا خارج الوطن مسبقاً . فقرر الاثنان تحصيل هذه الديون من الناس الابرياء المتواجدين في البلدة عنونة وبدون وجه حق. الامر الذي أدى إلى فرار الناس وتركهم لمزارعهم حتي يبست، وسبب ذالك في حدوث عجز في مصروفهم اليومي .
وذهب سليمان أغا بعساكره إلى قضاء الشرقية والذي يشمل كل من بلدة زويلة وضواحيها. ففي قرية مجدول قام بإهانته الكيلاني بن خريف فقد عدبه حتي كاد أن يشرف على الهلاك، وجمع ما بي القرية من الاغنام والبهائم والثمر والقمح وقام بمصادرة بعضها وذبحت بعضها وأكلت مجاناً و تم بيعها بأقل من أثمانها الحقيقية وبعض والاغنام والبهائم نفقت في الحبس. الامر الذي نتج عنه خلل كبير في البلد المذكورة وأصبحت القرية خالية من الرجال من كثرة التعذيب الواقع عليهم.
وذهب سليمان أغا إلى قرية تربوا وام زوير ولم يكن عليهما شئ من الميري. فوجد رجل له بعير يخدم عليه بالاجرة، فأخذهُ منهُ وكذلك أخد منه البهائم . اما البعير فباعه بثمن بخس. فأشتكى صاحبه للحكومة ، لكنها لم تلتفت إلى دعواه. وكذلك توجهه سليمان أغا إلى بلدة زويلة وبها أشراف وأهالي. فأخذ منهم مصاريف عديدة. وأخذ منهم أغنام، وعدد الاغنام التي ذبحوها وأكلوها مجانا من قضاء زويلة ثمانون شاة وعلاوة على القمح الذي اخدوه من هدا القضاء. وإلى جانب المصاريف الاخرى وتقدر بأكثر من أربعين ألف قرش. مما تسبب في نزوح الناس عن البلدة وتضررت مصالحهم.
وخرج مأمور من طرف سليمان أغا إلى قضاء الحفرة والذي يشمل بلدة تراغن وضواحيها. حيث قام بحبس الاهالي وضربهم وبيعت أغنامهم وقمحهم بربع الثمن وغيرها من الاعمال الشنيعة.
وكذلك خرج مأمور من طرف سليمان أغا إلى قضاء وادي عتبة فقبضوا على مجلس القضاء وحبسوهم وضربوهم بالعصاء وجمعوا البهائم التي بالقرية المذكورة وأخذوها معهم إلى المركز ( مدينة مرزق ). وبقيت مزارعهم بدون سقاية حتى يبست وهلكت.
وفي مدينة مرزق عاصمة فزان سلط سليمان أغا عساكره على الاهالي فأخذوا منهم بهائمهم وجلبوا عليها الملح والطين من مسافات بعيدة، ومن غير اجرة ،وتقدر هذه المسافة بأربع ساعات وكان ذلك في فصل الربيع ، الامر الذي نتج عنه ذبول محاصيلهم وانخفاض غلتها بسسب عدم سقايتها.
وقد جرت العادة على إعطاء وجبة من الطعام للعساكر المتناوبين على الحراسة في المركز . ولكن حاكم الولاية استبدل الطعام بوجبة من الثمر، وتصرف لهم من نخيل الميري. وامر الوكيل احمد اغا والمحاسب الاسبق توفيق أفندي بتنفيذ الاوامر .
وقام رجل مقرب من سليمان أغا اسمه بن علي يوسف بشراء ثمرنخيل الميري بأسعار بخسة. بعدها اتفق بن علي يوسف المذكور مع القول اغاسي سليمان اغا، وامر العساكر بأخذ ثمر الاهالي المدفون والمخزن في العقل. اعنوة من لاهالي ، بينما البعض الاخر اجبرُ على بيع ثمرهم باسعار زهيدة . وأدى هذا الفعل الى ضياع أرزاق الناس , ومسهم الضرر من تلك الاجراءات الظالمة . عندما خرج الناس واشتكوا لمسؤول في ذلك الوقت قام القول اغاسي بسحب العساكر من بوبات المدينة وترك المدينة بدون حماية .
ولما خرج سليمان أغا بمجموعة من عساكره إلى قضاء سبها وضواحيها، اعتدى على بعض من أعيانها بالضرب حتى أشرفوا على الهلاك، ومنهم رجلا يسمى علي افندي الدرويش ومحمد حجازي والمنير بن أحمد، وبعد الاعتداء عليهم أخد منهم بالاكراه ما يقارب الالف قرش وبدون وجه حق، بالرغم من أن القرية المذكورة ليس عليها شئ من الميري. وفي ضواحي سبها ارتحل إلى قريتي تمنهنت وسمنوا وأخذ جميع ممتلكاتهم من غنم ودجاج وغيره. كما إرتحل إلى قضاء الشاطى وأخد منهم أموال بغير وجه حق .
فما فعلة المأمور العسكري بولاية فزان وإساءته للغير يرجع لهُ كمسؤول إساء استعمال السلطة في الوظيفة الحكومية .
وفي نهاية تلك العريضة طلبوا تدخل الدوله الرحيم لدفع عنهم الظلم وحماية أرواحهم وحقوقهم. وهم في عريضتهم يأملون من الدولة التدخل والنظر بعين الرحمة والرأفة والعدل لمًا تعرضوا له من أذى وضياع حقوقهم وأرزاقهم دون وجه حق. و في ختام العريضة أنتهت بتوقيعات الوجهاء والاعيان.وهم :
1- يوجد ختم صغير
2- الحاج عبدالله بن علوه
3- كيلاني بن محمد الوداني
4- محمد السرور بن ابوبكر
5- محمد
6- علي بن الشريف احمد
7- الشريف احمد بن بركان
8- سالم بن علوه
ويجدر بالملاحظة بأننا قمنا بذكر التقسيم الاداري للقضاءات كما هو مذكور حرفيا في هذه العريضة المعنونة بتاريخ 17 ذي الحجة سنة 1299 هجري الموافق 1882 ميلادية.
الخلاصة ؛
من الأسباب الرئيسية لأنهيار الدول؛ الظلم وانعدام الامن والاستبداد والفساد والرشوة والمحسوبية والجهوية والقبلية وتداخل السلطات، ونجد إن حكومات الدول التي تسعى جاهدة لاطالة أعمارها تنتهج سياسات محكمة للفصل بين السلطات، وتسعي جاهدة لاستتباب الامن وتطبيق العدالة وسيادة القانون، علاوة على تطبيقها لإجراءات رقابية صارمة لمكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية حتى تعم الفائدة على الجميع.
ونحن إذ نسرد لكم هذه الاحداث ومن واقع عايشة الاجداد، لأخذ للعبرة منها والاتعاظ بها، وتجنب عدم التداخل بين السلطات، وإعطاء كل ذي حق حقة، ولاشي فوق القانون . فهذا إن أردنا بناء وطننا يتعايش فيه الجميع بسلام . ونستخلص من ما تم سرده في هذه العريضة حكمة ورجاحة عقول أهل فزان ووجهائها. كما تظهر معرفتهم وتمسكهم بدينهم والتزامهم بالطابع السلمي كأسلوب حياة واتخاذ مبداء الشورى بينهم في إدارة شؤون البلاد.
والشكر موصول لأبن عمنا الفاضل السيد طارق علي الصغير إبراهيم بن الشريف محمد الولي الذي مدنا بنص العريضة من أرشيفه والذي تحصل عليها الارشيف العثماني.
إعداد كل من:
الباحث والابن البار لمدينة مرزق الدكتور عمر عبدالقادر الولي بن ابراهيم الكبير الشريف الزويلي
والباحث السيد عبداللطيف محمد عبدالمالك الشريف الوداني
——————————————————————
المصادر :
1- مدينة مرزق وتجارة القوافل الصحرواية خلال القرن التاسع عشر . للمؤلف رجب نصير الأبيض ( 1998ف).
2 - عريضة من ألارشيف العثماني
—————————————————————
تعريف بعض المصطلحات :
1- العريضة: أو التظلم (بالإنجليزية: petition) هي طلب لتغيير شيء يتقدم به شخص إلى هيئة حكومية، وتقدم كتابياً. وقد تكون بغرض تصحيح خطأ أو تعويض ضرر لحق بالشخص. وتكون العريضة العامة مقدمة من عدة أشخاص إلى هيئة حكومية. وقد تكون شفهية غير مكتوبة، وفي أيامنا هذه يمكن أن تكتب عن طريق الإنترنت.
2- القائمقام : يعين بفرمان سلطاني من الاستانة ويخضع لنفوذ الباشا في طرابلس ويتلقى منه التوجيهات والاوامر في المسائل المتعلقة بالسيادة . وقد منح هذا القائمقام أي متصرف فزان مطلق الصلاحيات في إدارة شؤون المنطقة السياسية والعسكرية في وقت السلم والحرب .
https://ia601402.us.archive.org/32/items/265606072-3024536497862529-4739747038492677230-n/265606072_3024536497862529_4739747038492677230_n.j pg

رد: ملخص لعريضة في العهد العثماني الثاني من مشائخ وأعيان فزان .
 

شكرا جزيلا شريف ودان على هذه المشاركة القيمة....