ترجمة ناصر العترة الامام الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله تعالى *
محاور الترجمة :
*- اسمه ونسبه .
*- ولادته ونشأته.
*- طلبه للعلم ورحلاته العلمية .
*- شيوخه وتلامذته .
*- مذهبه وعقيدته ومشربه .
*- مكانته العلمية .
*- مؤلفاته .
هو: شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن محمد بن عبد المؤمن التجُكاني المنصوري،الإدريسي الحسني(1).
ينتهي نسبه إلى مولانا إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ونسبه من جهة أمه ينتهي أيضا إلى مولانا إدريس الأكبر ،فهي السيدة الزهراء حفيدة الإمام العارف بالله سيدي أحمد بن عجيبة الإدريسي الحسني.
نسب كأن عليه من شمس الضحا .. نورا وفي فلق الصباح عمودا
المبحث الأول:ولادته ونشأته:
ولد الشيخ يوم الجمعة السابع والعشرين من رمضان سنة 1320 هـ (1901 م ) بقبيلة بني سعيد،في بيت عمته ،حيث كان والده في زيارتها.
وبعد شهرين من ولادته عاد به والده إلى طنجة .
وعندما بلغ الخامسة من عمره أدخله والده الكُتَّاب لحفظ القرآن الكريم على يد تلميذه (( العربي بن أحمد بودرة )) ،ثم حفظ جملة من المتون العلمية المتداولة في المغرب آنذاك،فحفظ (( المقدمة الآجرومية )) و (( الألفية بشرح ابن عقيل )) في النحو،و(( المرشد المعين للضروري من علوم الدين )) لابن عاشر ،و(( مختصر خليل )) في الفقه المالكي،و(( أم البراهين )) للسنوسي ،و(( جوهرة التوحيد ))للقاني في التوحيد،و(( البيقونية )) في المصطلح،و(( بلوغ المرام من أدلة الأحكام )) للحافظ ابن حجر.
ثم اشتغل بدرس تلك المتون،فحضر دروس شيخه العربي بودرة في النحو والصرف والتوحيد والفقه ،ودروس والده محمد بن الصديق في الجامع الكبير بطنجة في النحو والفقه والحديث وغيرها،وكان والده كثيرا ما يحدثه بقصص وتراجم العلماء يشحذ بذلك همته .
ولما بلغ من العمر تسع سنوات اصطحبه معه والده لأداء فريضة الحج،وبعد عودته استكمل حفظ القرآن الكريم.
ومنذ بلغ الخامسة عشر من العمر حبب الله إليه علم الحديث،فأقبل على قراءة كتبه،وكتب التخريج والرجال.
المبحث الثاني: طلبه العلم ورحلاته العلمية:
تلقى الشريف سيدي أحمد بن الصديق مبادئ العلوم في بلده على يد والده وتلامذته.
ثم توجه إلى مصر للدراسة بالأزهر الشريف سنة 1339 هـ ،وذلك بأمر من والده الذي عين لَه كيفية التلقي وما ينبغي أن يقدمه من العلوم،وصفة العلماء الذين ينبغي الأخذ عنهم وحضور دروسهم.
وبعد سنتين عاد إلى المغرب لحضور جنازة والدته.
ثم رجع إلى القاهرة ،واعتكف في بيته يدرس كتب الحديث ،حتى إنه بقي سنتين لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة،ولا ينام حتى يصلي الضحى ،اغتناما للوقت ،وسهرا في المطالعة والحفظ .
وفي سنة 1344هـ قدم والده القاهرة لحضور مؤتمر الخلافة،فسافر برفقته لدمشق قصد زيارة الإمام محمد بن جعفر الكتاني المقيم إذ ذاك بها،ثم رجع ووالده للمغرب،حيث قام برحلة موسعة قصد فيها لقاء علماء المغرب.
وبقي الشيخ بالمغرب حوالي أربع سنوات،أقبل فيها على الإشتغال بالحديث حفظا ومطالعة وتصنيفا وتدريسا،فدرَّس (( نيل الأوطار )) و(( الشمائل المحمدية ))،وفي هذه الفترة كتب شرحا موسعا على الرسالة ،يذكر لكل مسألة أدلتها،سماه (( تخريج الدلائل لما في رسالة القيرواني من الفروع والمسائل ))،كتب منه مجلدا ضخما إلى كتاب النكاح،ثم عدل إلى التطويل إلى الإختصار،وسمى المختصر (( مسالك الدلالة على متن الرسالة )).
وفي سنة 1349 هـ عاد إلى مصر بصحبة أخويه:عبد الله ومحمد الزمزمي ليدرسا بالأزهر،وفي هذه الفترة كتب العديد من مصنفاته التي تعرب عن تمكنه في علم الحديث ،وتردد عليه علماء الأزهر للإستفادة من علومه،وطلبوا منه جماعة – رغم صغر سنه – أن يقرأ معهم (( فتح الباري )) سردا،ويشرح لهم مقدمة ابن الصلاح.
وجلس للإملاء في المسجد الحسيني ومسجد الكيخيا إلى أن اضطر للرجوع إلى المغرب بسبب وفاة والده رحمه الله سنة 1354هـ،فاستلم الزاوية وقام بالخلافة عن والده،واعتنى بتدريس كتب السنة المطهرة،وأملى مجالس حديثية بالجامع الكبير بطنجة،فكان يملي أكثر من خمسين حديثا في المرة الواحدة بأسانيدها من حفظه بلا تلعثم،حتى إذا فرغ منها رجع للأول،فتكلم على سنده وغريبه وفقهه،ثم الثاني وهكذا.
واشتغل في هذه الفترة التأليف،وأخذ يعلن عن أفكاره الداعية إلى تقديم العمل بالحديث،ونبذ التقليد والتمذهب.
وذكر عن نفسه أنه خطط لثلاث ثورات ضد الإستعمار الإسباني،انتهت الثالثة منها بالسجن مدة ثلاث سنوات ونصف،مع غرامة فادحة.
وبعد خروجه من المعتقل أحاطت به فتن الإستعمار،ومحاولة إيذائه من الإستعمار تارة،ومن الحزبيين والمقلدين تارة أخرى،فاضطر إلى ترك المغرب سنة 1377هـ إلى القاهرة حيث استقر بها،وخلال هذه الفترة دخل الحجاز حاجا ومعتمرا مرتين،وزار دمشق وحلب والسودان.
وفاته :
مرض الامام الحافظ مولاي أحمد مرضا شديدا في غربته بالقاهرة ولزم
الفراش،ويقي على ذلك ثمانية أشهر إلى توفته المنية متأثرا بذلك يومه الأحد أول جمادى الآخرة سنة 1380 هـ رحمه الله تعالى .
وقد كان رحمه الله – كما يصفه تلاميذه ومحبوه – جميل الصورة،بهي الطلعة،بشوش الوجه،سخي اليد،كريم النفس،مرضي الخلق،يتواضعا مع الضعفاء والمساكين،ويساعدهم بماله وجاهه،زاهدا في الدنيا وعرضها.
وكان رحمه الله يكره التشبه بالكفار في اللباس والهيئة والشكل،ولا يرى النظر في الجرائد،ويكره الوظائف الحكومية.
المبحث الثالث:شيوخه وتلامذته :
تتلمذ الغماري على شيوخ كثيرين،فاقوا المائة شيخ،من أبرزهم:
¯-والده محمد بن الصديق بن أحمد الغماري الإدريسي الحسني :
شيخ الزاوية الصديقية الشاذلية،توفي رحمه الله سنة 1354 هـ،وقد خصه ابنه بمؤلفين (( التصور والتصديق بأخبار الشيخ أحمد ابن الصديق )) و (( سبحة العقيق في ترجمة الشيخ سيدي محمد بن الصديق )).
حضر عليه دروسه في المسجد الكبير بطنجة،في الفقه والتفسير والحديث والتوحيد وغيرها.
¯-محمد إمام بن إبراهيم السقا الشافعي:
فقيه شافعي،درَّس بالأزهر،توفي رحمه الله سنة 1354هـ.
أخذ عنه (( المقدمة الآجرومية )) و(( الألفية بشرح ابن عقيل )) في النحو،و(( شرح التحرير )) لشيخ الإسلام زكريا في الفقه الشافعي،و(( السلم المنورق )) للأخضري في المنطق،و(( جوهرة التوحيد )) في العقيدة،وسمع عليه (( مسند الشافعي )) و(( الأدب المفرد )) وغير ذلك.
وكان يتعجب من ذكائه وسرعة فهمه،وشدة حرصه على التعليم،ويقول لَه:"لا بد وأن يكون والدك رجلا صالحا للغاية،وهذه بركته،فإن الطلبة لا يصلون إلى حضور الأشموني بحاشية الصبان إلا بعد طلب النحو ست سنين ،وقراءة (( الآجرومية )) و(( القطر )) وغيرهما،وأنت ارتقيت إليه في مدة ثلاثة أشهر".وكان يذيع هذا بين العلماء.
وكان أحيانا يقول لَه لما يرى من حرصه على قراءة الكتب التي تدرس في أقرب وقت:"أنت تريد أن تشرب العلم".
¯-محمد بن سالم الشرقاوي الشهير بالنجدي:
شيخ الشافعية ومفتيهم بمصر،توفي رحمه الله سنة 1350هـ.
أخذ عنه (( الإقناع بشرح متن أبي شجاع )) للخطيب الشربيني في الفقه الشافعي،و(( مختصر خليل )) في الفقه المالكي إلى كتاب النكاح،وحضر عليه (( شرح مشكاة المصابيح )) في الحديث.
¯-محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي الصعيدي :
مفتي الديار المصرية ومفخرتها،توفي رحمه الله سنة 1354هـ.
أخذ عنه التفسير وصحيح البخاري،ولازمه سنتين في ذلك،وحضر بعض دروسه في (( شرح الهداية )) للمرغيناني،و(( شرح الإسنوي على المنهاج )) ،وسمع منه مسلسل عاشوراء بشرطه.
¯-محمد بن إبراهيم السمالوطي القاهري المالكي:
أحد كبار علماء الأزهر المالكيين،توفي رحمه الله سنة 1353 هـ .
حضر عليه (( تفسير البيضاوي ))،و(( موطأ مالك ))،ولازمه نحو سنتين،وقرأ عليه (( التهذيب )) في المنطق،ثم أجازه إجازة عامة.
¯-أحمد بن نصر العدوي:
شيخ المالكية بمصر.
قرأ عليه (( صحيح مسلم بشرح النووي )) وأوائل (( سنن أبي داود )).
¯-عمر بن حمدان المحرسي التونسي المالكي:
شيخ شيوخ الإسناد بالحجاز،توفي رحمه الله سنة 1368 هـ.
قرأ عليه وقت قدومه القاهرة (( صحيح البخاري )) و(( الأذكار )) للنووي ،و(( عقود الجمان )) للسيوطي في البلاغة.
وله مشايخ في سماع الحديث والإجازة،من أجلهم:
¯-السيد المحدث محمد بن جعفر الكتاني،المتوفى سنة 1345 هـ.
رحل إليه الغماري لدمشق،وسمع منه حديث المسلسل بالأولية،وقرأ عليه كثيرا من مسند أحمد وغيره من كتب السنة.
¯-والسيد المحدث محمد بن إدريس القادري ،شارح (( سنن الترمذي )) ،المتوفى سنة 1350 هـ.
¯-وشيخ الجماعة السيد أحمد بن الخياط الزكاري،المتوفى سنة 1343 هـ.
¯-ومسند عصره المحقق السيد أحمد رافع الطهطاوي الحنفي،المتوفى سنة 1355هـ.
¯-وشيخ علماء الشام الشيخ بدر الدين البيباني،المتوفى سنة 1354 هـ.
¯-وصاحب التصانيف العديدة الشيخ عبد المجيد الشرنوبي الأزهري،المتوفى سنة 1345هـ.
وغيرهم من الشيوخ،وقد ذكرهم في أثباته (( البحر العميق في مرويات ابن الصديق )) و(( صلة الوعاة بالمرويات والرواة )) و((المعجم الوجيز للمستجيز )).
وأما تلاميذه:
فقد ترك العديد منهم،أشهرهم إخوته:
عبد الله ومحمد الزمزمي وعبد الحي وعبد العزيز والحسن وإبراهيم .
وعبد الله بن عبد القادر التليدي والسيد المنتصر الكتاني والسيد محمد الناصر الكتاني والفقيه محمد البقالي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد سيوطي والشيخ عبد العزيز عيون السود والقاري محمد بن كيران الفاسي وغيرهم .
يتبع