عرض مشاركة واحدة

  #9  
قديم 09-08-2009, 04:01 PM
الجموني
زائر
 
افتراضي المهدي /2

المهدي /2
وسنة اللّه في خلقه أن يستمر الصراع بين الحق والباطل ، وأن يقوى في بعض الأزمان جانب الخير على جانب الشر ، وفي أزمان أخرى يقوى جانب الشر على جانب الخير ، ولا تخلو الأرض من الأخيار إلا قبيل الساعة حين تقوم على شرار الخلق ، ولا يبقى فيها من يقول الله الله .

وأحاديث المهدي نفسها تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع فكيف يعارض بها غيرها ! فإن من الأحاديث التي أصلها في الصحيحين ووردت مفسرة في غيرهما – كما سبق – الحديث الذي رواه مسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة ) .

وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره : ( لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم ) .

فهو حديث ضعيف جداً لأن مداره على محمد بن خالد الجندي ، قال فيه الذهبي ( ميزان الاعتدال 3/535) : " قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول ، قلت – القائل الذهبي – : حديثه ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) وهو خبر منكر ، أخرجه ابن ماجه " أهـ .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (منهاج السنة النبوية 4/211) : " وهذه الأحاديث - يعني أحاديث المهدي - غلط فيها طوائف ، فطائفة أنكرتها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه ، وليس مما يعتمد عليه ، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي و الشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد ابن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به ، وليس هذا في مسند الشافعي ، وقد قيل إن الشافعي لم يسمعه ، وأن يونس لم يسمعه من الشافعي " أهـ .

وعلى فرض ثبوته فإنه لا يعارض الأحاديث الثابتة في المهدي ، لأنه يمكن الجمع بينها بأن المراد هو أنه لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى عليه السلام ، وذلك لا ينفي إثبات خروج مهدي غير معصوم كما قال بذلك بعض أهل العلم كالقرطبي و ابن القيم و ابن كثير وغيرهم ، وبهذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض .

تضعيف ابن خلدون لأحاديث المهدي

ومن الشبه التي تعلق بها المنكرون لأحاديث المهدي ما اشتهر عن ابن خلدون من تضعيفه لهذه الأحاديث حيث قال في المقدمة (1/322) - بعد أن استعرض كثيراً من أحاديث المهدي وطعن في كثير من أسانيدها- : " فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان . وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه " .

ولو رجعنا لكلام ابن خلدون لوجدنا أنه صدَّر الفصل الذي عقده عن المهدي في مقدمته بقوله : " اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته ، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة ، وتكلم فيها المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الاخبار ....إلخ .

وهي شهادة منه على أن اعتقاد خروج المهدي في آخر الزمان هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار ، فهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ ؟ مع أن الأمر يتعلق بأمر غيبي لا مجال للاجتهاد فيه ، ولا يسوغ لأحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم – ، هذا أمر .

الأمر الثاني كيف يسوغ لنا أن نعتمد على كلام ابن خلدون في التصحيح والتضعيف مع أنه ليس من فرسان هذا الميدان ، ونطرح كلام أئمة الحديث قبل ابن خلدون وبعده الذين تكلموا على أحاديث المهدي ونقدوها وبينوا صحيحها من سقيمها ، واحتجوا بكثير منها ، بل حكى بعضهم تواترها تواتراً معنوياً .

ومنهم على سبيل المثال : الحافظ أبو جعفر العقيلي تـ322هـ فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل النهدي : " قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلا به ، ثم قال : وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه " أهـ .

والإمام ابن حبان تـ354 هـ ، قال الحافظ في الفتح (13/21) عند كلامه على حديث ( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) : " واسـتدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا " .

والإمام البيهقي تـ 438 هـ فقد قال في كتاب " البعث والنشور" بعد كلامه على تضعيف حديث ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) : " والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا " .

والحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري صاحب كتاب " مناقب الشافعي " تـ363، نقل عنه الإمام ابن القيم في (المنار المنيف 1/142) ، والحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ، و" فتح الباري " قوله : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بذكر المهدي وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " .

وممن صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي الإمام الترمذي في جامعه ، و الحاكم في مستدركه ووافقه الإمام الذهبي في تصحيح جملة منها ، ومنهم القرطبي صاحب التفسير فقال في كتابه " التذكرة " - بعد ذكر حديث : ( لا مهدي إلا عيسى بن مريم ) وبيان ضعفه - : " والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التنصيص على خروج المهدى من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه" .

ومنهم الإمام ابن تيمية رحمه الله فقد صحـح بعض الأحاديث الواردة في المهدي في كتابه " منهاج السنة " والإمام ابن القيم في كتابه " المنار المنيف " والإمام ابن كثير في تفسيره وفي كتابه " النهاية في الفتن والملاحم " وغيرهم كثير .

بل حكى بعضهم تواتر هذه الأحاديث تواتراً معنوياً كما سبق عن الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري ، والإمام السخاوي حين مثل في كتابه " فتح المغيث " للأحاديث المتواترة اعتبر أحاديث المهدي من هذا القبيل ، و للشوكاني - رحمه الله - رسالة أسماها " التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح " ومما جاء فيها قوله : " فالأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " .

وقال الشيخ الكتاني في كتابه : " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام " .

فهل نطرح كلام كل هؤلاء ونقبل كلام ابن خلدون على عواهنه .

الأمر الثالث أن ابن خلدون لم يقل إن أحاديث المهدي كلها ضعيفة فضلا عن القول بأنها موضوعة ، فعبارته تدل على أن هناك عدداً قليلاً من هذه الروايات قد سلم من النقد ، ونحن نقول لو سلَّمْنا بكلام ابن خلدون فهذا القدر القليل كاف في الاحتجاج بهذه الأحاديث واعتقاد موجبها.

وقد رد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على ابن خلدون في تعليقه على المسند فقال : " أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحما لم يكن من رجالها.. " ، وقال : "إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا ، وغلط أغلاطا واضحة.." ، وقال : "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.." أهـ .

 

 

رد مع اقتباس