*أما بالنسبة لموروثات الديانات الربانية – كاليهودية والنصرانية - فلا غرابة أن نجد تشابها ما في تشريعات هذه الديانات وبين بعض ما جاء به الإٍٍسلام ولِمَ لا والمصدر واحد ؟
بل إن هذا التشابه هو أحد أدلة المصداقية وبالطبع قد وقع هذا التشابه فيما هو إلهي المصدر بعيدا عن تحريفات أتباع هذه الديانات وأول ما اتفقت عليه هذا الشرائع هو التوحيد الذي اعتمدته كل الديانات الربانية ولم ينف القرآن ذلك التشابه في الأصول بين الشرائع الإلهية بل قرره في مواضع عديدة منها قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ( الشورى: 13 ) وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( البقرة: 183 ) وقوله سبحانه: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ( المائدة: 46 } بل يقرر ما هو أبعد من هذا وهو ضرورة الإيمان بما أنزل على الأنبياء السابقين { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 3 والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4 } ( سورة البقرة ) حيث إن القرآن جاء { مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } ( سورة المائدة : 48 )
· نأتي بعد ذلك إلى مخترعات الجاهليين وانحرافاتهم عن حنيفية إبراهيم عقديا وتشريعيا وكذا تصرفاتهم النعراء التي كانت تلجئهم إليها عصبيتهم وقبليتهم وهذا هو القسم الذي جاء الإسلام بهدمه من الأساس وهو القسم الأكبر ولأجله كفر من كفر بل حارب من أجل بقائه ونصرته من حارب بحجة أنه موروث آبائهم ولقد بلغ من حرصهم على بقاء ميراث الآباء من تلك العبادات والعادات المنحرفة أن عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم الملك والمال والجاه فقال قولته المشهورة: والله لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
وأول ما حاربه الإسلام هو أس عقيدتهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله فقد صعقوا حينما فاجأهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدين الحق هو دين التوحيد وان هذا الكون ليس له إلا إله واحد هو الذي خلق ورزق وهو الجدير بالعبادة { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 30 حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } ( الحج: 30 ، 31 ) نعم ترك عبادة الأصنام هي حنيفية إبراهيم التي دعا ربه وسأله المداومة عليها{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ 35 رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 36 } ( سورة إبراهيم ) بل إن إبراهيم لم يكتف بمجرد الأماني حيث قاوم هذه الأصنام بالفعل لا بمجرد القول: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ 52 قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ 53 قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 54 قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ 56 وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ 57 فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ 58 } ( سورة الأنبياء ) وكما فعل الخليل عليه السلام في الدعوة إلى نبذ الأصنام بأمر ربه ووحيه إليه قام أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ربه ووحيه يعظ قومه ويذكرهم بخالقهم وينعي عليهم عبادة الأصنام { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 16 } ( سورة الرعد ) ويقينا لم يجار الإسلامُ عربَ الجاهلية في عبادتهم للأوثان وجعلها آلهة مع الله تقربهم إليه زلفى ( كما كانوا يعتقدون ) .