بسم الله الرحمن الرحيم
تشكل قرية لمطاهرة ارشيدة بنواحي جرسيف ممرا استراتيجيا وجسر تواصل بين تافيلالت المغربية وتلمسان الجزائرية. كانت جبالها تشكل معالم تسترشد بها القوافل التجارية في رحلاتها. تزخر القرية التي تبعد عن مدينة جرسيف بحوالي 56 كيلومترا في الجنوب الشرقي بتحف تاريخية تعبر على حقب من تاريخ المغرب، بالإضافة إلى درر وتحف نادرة تختزنها "لمطاهرة ارشيدة" التي تحيط بها جبال تحميها من التصحر وتقيها من الرياح. معظم سكان المنطقة من المحافظين، وهم يعتمدون في عيشهم على تربية الماشية وخصوصا الماعز والفلاحة المحدودة وأنشطة تتعلق بالصناعة التقليدية.
توجد"لمطاهرة ارشيدة" في مكان يشرف على حوض ملوية تحت جبال تقيها من رمال الجنوب ورياحه. فضاء له من المؤهلات السياحية ما يمكنه من الإسهام في النهوض بالتنمية المحلية التي ما أحوج سكان المنطقة إليها، فالقرية تتوفر على مؤهلات سياحية جديرة بالاهتمام وفي حاجة إلى من يعرف بها محليا ووطنيا ودوليا. قرية تزاوج فيها الجبل والسهل والغابة، قلعة ذات مناظر طبيعية خلابة، توجد على علو 1300 متر، وتطل على حوض ملوية الأوسط، بها مياه عذبة تتدفق عبر سواق إسمنتية تنبع من عين دائمة تقع بمدخل التجمع السكني وكأنها شرفة كما سماها الجنرال ليوطي الذي كان يفضل الجلوس بها ويطل عبرها على الحوض. مؤهلات لم تحرك لدى المنتخبين والسلطات المحلية أدنى اهتمام لتبقى طي الإهمال والنسيان . تضاربت الآراء حول تسمية القرية بـ "لمطاهرة ارشيدة"، فإذا كان بعض الباحثين ربط الاسم بالمولى الرشيد الذي مكث بالقرية مدة غير قصيرة، علما أن المولى إسماعيل سبقه في الإقامة بها مدة 14 يوما، فإن باحثين آخرين ربطوا اسم القرية باسم إحدى قريبات الولي الصالح المولى سيدي يعقوب أو إحدى الشريفات المتصوفات، واعتقدت فئة ثالثة أن الموقع الاستراتيجي للقرية الواقعة على سلسلة جبال الأطلس التي كانت قوافل التجارة والحجاج وجيوش الفتح وصد العدو تستعين وتسترشد بقمم جبالها في سيرها هو القريب من الصواب (أرشد يرشد…) قرية لمطاهرة ارشيدة معقل الشرفاء اليعقوبيين أبناء سيدي يعقوب بن يوسف المغاري، دفين لمطاهرة ارشيدة، وهو أحد أحفاد المولى عبد الله أمغار دفين مدينة الجديدة . تحتضن لمطاهرة ارشيدة ضريح الولي الصالح سيدي يعقوب المعروف عند أهل البلد والشرفاء اليعقوبيين بـ "مولى قبرين" الذي عايش القرن التاسع الهجري، ويفسر أهل البلد هذه التسمية بوقوع نزاع بين طائفتين من الشرفاء اليعقوبيين حول مكان دفن الولي الصالح، فالطائفة الأولى ترى أنها أقرب نسبا إلى الولي من الطائفة الأخرى وبالتالي فلها الأسبقية في دفن جثمانه بدوارها، وترى الثانية أنها صاحبة هذا الحق، ولما بلغ الصراع ذروته وكاد يتسبب في اقتتال الإخوة فيما بينهم تدخل أحد حكماء وعقلاء القوم بعدما رتب أمره فدعا الطرفين المتنازعين إلى عودة كل واحد منهما إلى منطقته ليجد قبر جده الشريف، ولما وصل كل فريق إلى مدشره وجد قبرا جديدا، مما يعني أنه حصل على بركة الولي الصالح ذي القبرين. منٌ الله على قرية لمطاهرة ارشيدة معقل الشرفاء اليعقوبيين بطبيعة خلابة ومياه عذبة. قرية غنية بغطائها النباتي، في مقدمته "أزير" الذي تستخرج منه زيت تدخل في الصناعة الصيدلية، وإلى جانبه نبات "الحلفة" وأشجار البلوط «الكريش» ونباتات أخرى ذات أهمية كبيرة وخصائص إيكولوجية واقتصادية، لكن غطاء القرية الغابوي يتعرض منذ أكثر من ثلاثة عقود لأضرار بالغة من جراء اجتثاثه والإفراط في استغلاله في غياب أي وازع بيئي. وما زاد من حدة إتلاف الغطاء الغابوي بالمنطقة هو الحريق الذي تعرضت له غابة المنطقة في صيف 2000. معظم سكان المنطقة من المحافظين، وهم يعتمدون في عيشهم على تربية الماشية وخصوصا الماعز والفلاحة المحدودة وأنشطة تتعلق بالصناعة التقليدية التي تحتل صناعة الأواني الفخارية المرتبة الأولى. يتعمد السكان في تسيير معاملاتهم اليومية على وحدات اعتباطية، فهم شرفاء محافظون وكرماء فطريون نادرا ما يلجؤون للمحاكم، إذ يحتكمون إلى الأعراف وفقهاء القرية وحكمائها لحل النزاعات وتوزيع الماء لري الحقول الصغيرة عبر سواق، معتمدين في ذلك على نظام الأرباع ومستعملين مصطلحات لتنظيم التوزيع، نذكر منها: تانكنفورت وتازروت…وهو نفس النظام الذي يعتدمه سكان الراشدية في تافيلالت التي لها صلة تاريخية وثيقة بقرية لمطاهرة ارشيدة في إقليم تازة. نظام توزيع الماء بين السكان يعتمد على طلوع الشمس ورواحها وصلوات العصر والظهر والفجر.. أما قيمة حصة الماء الخاص بالسقي (لمن يرغب في الاستغناء عنها) فتفوق أحيانا 30 ألف درهم في السنة. وما زال بعض السكان يستعملون الدرع والشبر والقدم كوحدات اعتباطية لقياس الأطوال. ومن الأشياء التي أثارت فضول الباحثين هو اتجاه قبلة المسجد العتيق وضريح سيدي طلحة الموجودين بقرية لمطاهرة ارشيدة نحو بيت المقدس عوض مكة. توجد بالقرية/الزاوية مدرسة عتيقة وإلى جانبها محكمة عتيقة أيضا بنيت بالتراب «الحمري» قست عليها الطبيعية وهي آيلة للانهيار وتستدعي التدخل الفوري لإنقاذها كتراث إنساني ومعلمة تؤرخ لحقبة تاريخية. وبحسب أهل البلد والباحثين، فإن خزانة الضريح كانت غنية بالمخطوطات وأمهات الكتب في جميع اختصاصات العلوم، لكنها تعرضت للنهب والتهريب على يد بعض المفكرين والباحثين وبعض السكان الذين غادروا القرية في اتجاه تازة أو فاس أو مكناس. وتضيف مصادر متطابقة من عين المكان أن حريقا شب بهذه الخزانة في العام 1930، ولعله أمر مدبر لطمس النهب الذي تعرضت له أمهات الكتب التي كانت تزخر بها الخزانة. ومن أهم الكتب التي اختفت من خزانة القرية مصحف مكتوب على جلد الغزال تم نقله من قرية لمطاهرة ارشيدة إلى مدينة مراكش. تعد لمطاهرة ارشيدة قلعة العلماء والعلوم الشرعية، وقد كانت لها دار للنسخ بواسطة آلة بسيطة مازالت شاهدة على عصرها. وبحسب العارفين بأمور القرية وكنوزها العلمية فإن أحد مفتشي التعليم الابتدائي ألف سنة 1970/ 1971 كتبا، مستعينا بمخطوطات من خزانة لمطاهرة ارشيدة، لكنه لم يشر إلى المراجع التي اعتمدها في بحثه . استغل بعض الزوار كرم وسخاء السكان وفقرهم وفطرتهم ونقلوا تحفا إلى مدينة مراكش بأثمنة زهيدة ومنها مصحف مكتوب على جلد الغزال ومخطوطات أخرى تهم علوم الفيزياء والرياضيات، وتضيف مصادر مطلعة أن بعض الكتب والمخطوطات التي كانت بخزانة ضريح المولي يعقوب بلمطاهرة ارشيدة وتوجد الآن بالخزانة الملكية ومنها ديوان للحبيب اليعقوبي (القرن 13) وأخرى بفرنسا والجزائر، وقد كان لضريح الولي الصالح مولاي يعقوب دور هام في محاربة الأمية ونشر العلوم وعلى رأسها علوم الفقه والدين والشريعة وحفظ القرآن. إنها قرية تبكي حاضرها وتزهو بماضيها
منقول للأمانة مع بعض التغييرات