و هناك احتمال علميّ وجيهٌ أيضا ، لا يمكن إثباته إلا بالقرينة التاريخية التي تدلّ عليه ، لكن لا يمكن استبعاده أيضا - بمحض العقل - طالما أنّ الترجمة لهذه الشخصية تظلّ لحدّ الساعة مفقودة
و من ثَمّ يجوز لنا وضع هذا كفرضية محتملة و إن ظلّت مستبعدة ، ألا وهي :
( احتمال أنّ السيوطي المكناسي سكن أو تتلمذ على شيوخ أسيوط و ذلك في مدّة أقلّها أربع سنين كما قرّر ذلك أهل العلم بتراجم الرّجال و سير الأعلام ، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أنّ صعيد مصر كان ممرّ الحجّاج المغاربة منذ سالف الأزمان كما تذكر ذلك رحلاتهم الكثيرة و المتعدّدة )
لكن كيف ذلك ؟؟
نترك الإجابة عن هذا للإمام السيوطي نفسه الذي قرّر ذلك و وضّحه في ألفيته للحديث الشريف
في ( باب أوطان الرواة و بلدانهم) يقول رحمه الله :
- قد كانت الأنساب للقبائل *** في العرب العرباء و الأوائل
- و انتسبوا إلى القرى إذ سكنوا *** فمن يكن ببلدتين يسكنُ
- فانسب لما شئتَ و جَمعٌ يحسنُ *** و ابدأ بالأولى و بِثُمَّ أحسن
- و من يكن من قرية من بلدة *** فانسب لما شئتَ و للنّاحية
- كذا لإقليم او اجمع بالاعمّ *** مبتدئًا و ذاك في الأنساب عمّ
- و ناسبٌ إلى قبيل و وطن *** يُبدأُ بالقبيل ثم من سكن
- في بلدة أربعة الأعوام *** يُنسبُ إليها فاروِ عن أعلام
**** الشرح الإجمالي للأبيات ****
أنّ العرب كانت تنتسب لقبائلها فلمّا جاء الإسلام و اختطلت الأمم و الشعوب انتسب النّاس إلى بلدانهم و قراهم أو مدنهم، فمن سكن ببلدتين فانسبه لأيّ منهما شئتَ و حبّذا لو تبدأ بالأولى ثمّ الثاّنية كقولنا مثلاً عن جدّنا الإمام إدريس الأكبر عليه السّلام ( المدنيّ ثم المغربيّ ) ، و من سكن بقرية معيّنة بقطر معيّن جاز لك ان تنسبه إمّا لبلدته كـ ( الفاسيّ ) مثلاً أو ( المغربيّ ) نسبة لقطره ، و أن شئت أن تنسبُ الرّجل إلى قبيلته و وطنه معًا قدّمتُ القبيلة على الوطن كأن تقول ( الإدريسيّ المغربيّ ) مثلا
و يجوز لك أيضا - و هذا محلّ الشاهد - أن تنسب الرّجل إلى أي بلدة - و إن لم يكن ينتمي إليها في الأصل - لكنّه سكنها أربع سنين فما فوق ، وهذا كما كان متدوالاُ و معمولاً به في العصور الإسلاميّة على مرّ تاريخها بداية من عصر الفتوحات و إلى الفترة التي بدأت فيها عملية التجنيس و إقامة الحدود