عرض مشاركة واحدة

  #2  
قديم 12-09-2008, 01:19 AM
التهامي الادريسي
زائر
 
افتراضي

~§][][الهجرة إلى الحبشة ][][§~

ودارت الأيام لكي تختبر صدق المؤمنين ، وتشهد أن أتباع محمد صلى

الله عليه وسلم قد تحملوا الكثير من أذى المشركين ، كان المؤمنون

وفي مقدمتهم رقية وعثمان رضي الله عنهم في كرب عظيم ، فكفار

قريش ينزلون بهم صنوف العذاب ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه

وسلم بقادر على إنقاذ المسلمين مما يلاقونه من البلاء المبين ، وجاءه

عثمان وابنته رقية رضي الله عنهما يشكوان مما يقاسيان من الكافرين،

وجاء نفر آخرون ممن آمن من المسلمين ، وشكوا إلى الرسول صلى الله

عليه وسلم ما يجدون من أذى قريش ، ومن أذى أبي جهل زعيمهم.

فأشار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بأن يخرجوا إلى الحبشة ،

إذ يحكمها ملك رفيق لا يظلم عنده أحد ، ومن ثم يجعل الله للمسلمين

فرجا مما هم عليه الآن.

وأخذت رقية وعثمان رضي الله عنهما يعدان ما يلزم للهجرة ، وترك

الوطن الأم مكة أم القرى.

ويكون عثمان ورقية رضي الله عنهما أول من هاجر على قرب عهدهما

بالزواج ، ونظرت رقية مع زوجها رضي الله عنهما نظرة وداع على البلد ا

لحبيب ، وتمالكت دمعها قليلا ، ثم صعب ذلك عليها ، فبكت وهي تعانق

أباها وأمها وأخواتها الثلاث زينب وأم كلثوم والصغيرة فاطمة ، ثم سارت

راحلتها مع تسعة من المهاجرين ، مفارقة الأهل والأحباب ، وعثمان رضي

الله عنه هو أول من هاجر بأهله ، وظلت رقية رضي الله عنها تحن إلى مكة

ومن تركتهم بها ، وظل سمعها مرهفا يتلهف إلى أنباء أبيها الرسول

صلى الله عليه وسلم وصحبة الكرام.

ولقد أثرت شدة الشوق والحنين على صحتها ، فأسقطت جنينها الأول،

وخيف عليها من فرط الضعف والإعياء، ولعل مما خفف عنها الأزمة الحرجة

رعاية زوجها وحبة وعطف المهاجرين وعنايتهم.

وانطلق المهاجرون نحو الحبشة تتقدمهم رقية وعثمان ، حتى دخلوا على

النجاشي، فأكرم وفادتهم ، وأحسن مثواهم ، فكانوا في خير جوار ،

لا يؤذيهم أحد ويقيمون شعائر دينهم في أمن وأمان وسلام.

وكانت رقية رضي الله عنها في شوق واشتياق إلى أبيها رسول

الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة رضي الله عنها ، ولكن المسافة

بعيدة ، وإن كانت الأرواح لتلتقي في الأحلام.



~§][][ العودة إلى مكة ][][§~

وجاء من أقصى مكة رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

فاجتمع به المسلمون في الحبشة ، وأصاخوا إليه أسماعهم حيث راح

يقص عليهم خبرا أثلج صدورهم ، خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر

بن الخطاب رضي الله عنهما ، وكيف أن الله عز وجل قد أعز بهما الإسلام

واستبشر المهاجرون بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما ، فخرجوا

راجعين ، وقلوبهم تخفق بالأمل والرجاء ، وخصوصا سيدة نساء المهاجرين

رقية بنت رسول الله رضي الله عنها التي تعلق فؤادها وأفئدة المؤمنين

بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم .

وسرعان ما ساروا في ركب متجهين نحو مكة ، ويتقدمهم عثمان ورقية

رضي الله عنهما ، ولكن يا للخيبة المريرة ، فما أن بلغوا مشارف مكة ،

حتى أحاطت بهم صيحات الوعيد والهلاك.

وطرقت رقية رضي الله عنها باب أبيها تحت جنح الظلام ، فسمعت

أقدام فاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهما ، وما أن فتح الباب حتى تعانق

الأحبة ، وانهمرت دموع اللقاء.

وأقبل محمد صلى الله عليه وسلم نحو ابنته يحنو عليها ويسعفها لتثوب

إلى السكينة والصبر، فالأم خديجة رضي الله عنها قد قاست مع رسول

الله صلى الله عليه وسلم وآل هاشم كثيرا من الاضطهاد ، وقد ألقاها

المرض طريحة الفراش ، لتودع الدنيا وابنتها ما تزال غائبة في الحبشة.


~§][][العودة إلى الحبشة ][][§~

وعندما علمت قريش برجوع المؤمنين المهاجرين ، عملت على إيذائهم

أكثر من قبل ، واشتدت عداوتهم على جميع المؤمنين ، مما جعل أصحاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلق ، ولكنهم اعتصموا بكتاب الله،

مما زاد ضراوة المشركين وزاد من عذابهم ، ولكن عثمان رضي الله عنه

صبر وصبرت معه رقية رضي الله عنها مما جعل قريش ، تضاعف وجبات

العذاب للمؤمنين ، فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنونه

في الهجرة إلى الحبشة فأذن لهم ، فقال عثمان بن عفان رضي الله

عنه :

( يا رسول الله ، فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي ،

ولست معنا )

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" أنتم مهاجرون إلى الله وإلي ، لكم هاتان الهجرتين جميعا ً"

فقال عثمان رضي الله عنه : ( فحسبنا يا رسول الله )

وهاجرت رقية رضي الله عنها ثانية مع زوجها إلى الحبشة مع المؤمنين

الذين بلغوا ثلاثة وثمانين رجلا .

وبهذا تنفرد رقية رضي الله عنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

بأنها الوحيدة من بناته الطاهرات التي تكتب لها الهجرة إلى بلاد الحبشة ،

ومن ثم عُدت من أصحاب الهجرتين .

وفيهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إنهما أول من هاجرا إلى الله بعد لوط "

ولم يطل المقام برقية في الحبشة ، ففي العام الثالث عشر للبعثة ، كان

أكثر المؤمنين من أهل البيت الحرام قد وصلوا إلى المدينة المنورة ،

ينتظرون نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم ليأتي إليهم وإلى اخوتهم

الأنصار مهاجرا مجاهدا.

وهناك في المدينة جلست رقية مع زوجها عثمان رضي الله عنهما ،

ووضعت مولودها الجميل عبد الله ، وراحت تملأ عينها من النظر إليه ،

لكي تنسى مرارة فقدها لجنينها، ولوعة مصابها في أمها ، وما قاسته

في هجرتها وهي بطلة الهجرتين من شجن الغربة.

ويبدأ صراع جديد بين الحق والباطل، وترى رقية بوادر النصر لأبيها

صلى الله عليه وسلم ، فالله عز وجل قد أذن له وللمؤمنين أن يقاتلوا

المشركين ، ليدعموا بنيان المجتمع الإسلامي الجديد الذي بنوه بأيديهم

في يثرب.



~§][][ وفاتها رضي الله عنها ][][§~

رنا عثمان رضي الله عنه ثانية إلى وجه زوجته الذابل ، ففرت سكينته ،

ولفه حزن شديد ممزوج بخوف واضطراب ، حيث كانت الأنفاس المضطربة

التي تلتقطها رقية رضي الله عنها بجهد ، تدل على فناء صاحبتها.

كانت رقية رضي الله عنها تغالب المرض ، ولكنها لم تستطع أن تقاومه

طويلا ، فأخذت تجود بأنفاسها ، وهي تتلهف لرؤية أبيها الذي خرج

إلى بدر ، وتتلهف لرؤية أختها زينب رضي الله عنها في مكة ، وجعل

عثمان رضي الله عنه يرنو إليها من خلال دموعه ، والحزن يعتصر قلبه ،

مما كان أوجع لفؤاده أن يخطر على ذهنه ، أن صلته الوثيقة برسول

الله صلى الله عليه وسلم توشك أن تنقطع.

وكان مرض رقية رضي الله عنها الحصبة ، ولما جاء البشير إلى المدينة

بانتصار المسلمين في معركة بدر ، كانت السيدة رقية تعاني سكرات

الموت وتوفيت رحمها الله ولها من العمر اثنتان وعشرون سنة بعد

صراعها مع هذا المرض ..

وكانت أول من لحق بأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من بناتها ،

توفيت رضي الله عنها ولم تر أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

حيث كان ببدر فلم يشهد دفنها صلى الله عليه وسلم .

وحُمِل جثمان رقية رضي الله عنها على الأعناق، وقد سار زوجها رضي

الله عنه خلفه ، وهو واله حزين ، حتى إذا بلغت الجنازة البقيع، دفنت

رقية رضي الله عنها هنالك ، وقد انهمرت دموع المشيعين ، وسوى التراب

على قبر بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الهجرتين ولم تسعد

روحها الطاهرة بالبشرى العظيمة بنصر الله، ولكنها سعدت بلقاء

الله سبحانه .

ثم عاد المجاهدون من بدر يبشرون المؤمنين بهزيمة المشركين، وأسر

أبطالهم ..

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ، ووقف على قبر

ابنته يدعو لها بالغفران

 

 

رد مع اقتباس