.................... تابع ............................
قلت: مصداقا لما ألمح إليه المؤلف من نعوت هذا الولي الشريف، وسجاياه الحميدة، ومآثره الفاضلة العظيمة، الكثيرة يصدقه بعض ما رواه الجم الغفير من العلماء والثقات، وما تواترت عليه روايات السواد الأعظم من سكان المغرب، وموريتانيا، والسنغال، وما لهج بذكره الشعراء نظما، والأدباء نثرا وخاصة العلامتان الشهيران فضيلة القاضي، الإمام بن الشريف بن سيدي أحمد بن الصبار المجلسي، وفضيلة أمير الشعراء، وملك البلغاء أحمدُّ بن محمدا بن البشير المالكي اللذين قابلتهما وتحدثا لي بإسهاب عن هذا الولي فأقول: "حدثني الإمام بن الشريف قال إن الولي الشريف محمد عبد الله ابن عبد الودود كان صديقا لي، وكثيرا ما كنت أجالسه وأناقش معه المسائل العلمية، وخاصة الفقه المالكي، وكان إماما في علوم القرآن الكريم، بارعا في تجويده ،ودرايته بفنونه ،ومدمنا على قيام الليل ،وتلاوته في صلاة النفل ،وكان كثير الصيام ،بحيث إنه يفطر يوما، ويصوم يوما، على مر أيام السنة، وملازما لتعليم القرآن، وتحفيظه لأبناء المسلمين، من كل عنصر، جمعه معه جوار، بدون أجرة، وبدون أي مقابل مهما كان نوعه، كما كان ذكيا، صدوقا، وفيا، عفيفا، وصوفيا سنيا، وورعا، متواضعا، دمث الأخلاق، سهل السجايا، وسخيا، منفقا في سبيل الله تعالى، ومكرما للضيوف، وكان عزوفا عن العبث والفضول، وقليل الكلام، لسانه لا يفتر عن ذكر الله عز وجل، إلا في أوقات التلاوة القرآنية، أوساعة الهجوع القليل. فكأن الشاعر يعنيه بقوله:
*لَهُ حَاجِبٌ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ يَشِينُهُ ** وَلَيْسَ لَهُ عَنْ طَالِبِ الْعُرْفِ حَاجِبُ*
*يَصُومُ عَنِ الْعَوْرَاءِ حَتَّى كَأَنَّهُ ** إِذَا ذُكِرَتْ فِي مَجْلِسِ الْقَوْمِ غَائِبُ*
وكان ديدنه الاستقامة، والثبات في المبدإ، والحرص على اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم، متمسكا بعقيدة أهل السنة، وكان نفورا من الابتداع، والشعوذة، وكثير مطالعة الكتب، كالكتب الفقهية وكتب السيرة وغير ذلك...: « وحدثني العلامة، والشاعر الكبير، أحمدُّ بن محمدا بن البشير بن أخيار المالكي، بمثل ما حدثني به الإمام بن الشريف».
وما رويت عن هذين العلامتين معروف عند الشناقطة، ولا يختلف عليه اثنان، مما بلغ درجة التواتر.
وهكذا اكتفيت بإثبات هذا الملخص الذي اتفق عليه هذان العلامتان فيما روياه من مآثر المرحوم وخصاله الحميدة وما أكداه في مدحهما له، وما شاع، وذاع بين الخواص، والعوام، وما سجلته دوائر المعارف هنا وهنالك، وقد ظل طيلة حياته معتمدا على نفسه في تحصيل طارف المجد إضافة إلى تالده الذي خلده آباؤه الكرام معتبرا قول الشاعر:
*وَلَيْسَ يَسُودُ الْمَرْءُ إِلاَّ بِنَفْسِهِ ** وَإِنْ عَدَّ آبَاءً كِرَامًا ذَوِي حَسَبْ*
*إِذَا الْعُودُ لَمْ يُثْمِرْ وَلَوْ كَانَ شُعْبَةً ** مِنَ الْمُثْمِرَاتِ اعْتَدَّهُ النَّاسُ مِنْ حَطَبْ*
وكأن نفسه تقول له:
*اشْتَرِ الْعِزَّ بِمَا بِيـ ** ـعَ فَمَا الْعِزُّ بِغَالِ*
*لَيْسَ بِالْمَغْبُونِ عَقْلاً ** مُشْتَرٍ عِزًّا بِمَالِ*
*إِنَّمَا يُدَّخَرُ الْمَا ** لُ لِحَاجَاتِ الرِّجَالِ*
*وَالْفَتَى مَنْ جَعَلَ الأَمْـ ** ـوَالَ أَثْمَانَ الْمَعَالِي*
وبعد ما شهد به هذان العالمان نثرا نورد بعض ما شهدا به شعرا على ما أوردا من مناقب هذا الولي الشريف: يقول القاضي الإمام بن الشريف بن سيدي احمد بن الصبار المجلسي، من قصيدة له:
*قَدْ تَقَفَّى آبَاءَ صِدْقٍ أُبَاةٍ ** مِنْ أُبَاةٍ أَكَارِمٍ صُلَحَاءِ*
*نَجْلُ عَبْدِ الْوَدُودِ مَنْ كَانَ بَدْرًا ** بَادِيَ الْفَخْرِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَرَاءِ*
*إِنَّ عَبْدَ الإِلَهِ بَعْدَ مُحَمَّدْ ** نَفْعُهُ عَمَّ مَعْشَرَ الضُّعَفَاءِ*
*كَانَ غَيْثًا لِلْعَالَمِينَ مُغِيثًا ** وَرَئِيسًا لِزُمْرَةِ الْفُضَلاَءِ*
*وَبَنُو الْحَاجِ أَحْمَدٍ قَدْ تَسَامَوْا ** بِالَّذِي نَالَ فَوْقَ أَهْلِ الْعَلاَءِ*
*شَيَّدُوا سَمْكَ دِينِ أَحْمَدَ طَهَ ** وَبِهِمْ كَانَ ذَا سَنًى وَبَهَاءِ*
ويقول أحمدُ بن محمدا بن البشير من قصيدة له:
*فَلِذَا كَانَ سَعْيُهُ مُذْ صِبَاهُ ** قَصْدَ مَرْضَاةِ رَبِّهِ ذِي الْجَلاَلِ*
*فَأَبُوهُ عَبْدُ الْوَدُودِ الْمُفَدَّى ** سَعْيُهُ كَانَ وَفْقَ هَذَا الْمَجَالِ*
*فَتَرَاهُ فِي رِفْعَةٍ وَسَنَاءٍ ** مِثْلَ بَدْرٍ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ*
*يَا مُحَمَّدْ عَبْدَ الإِلَهِ سَعِيدًا ** عِشْتَ فِينَا وَفِي سُمُوِّ الْمَعَالِي*
ويقول أيضا:
*فِي عِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ وَذَكَائِهِ ** مَا إِنْ رَأَيْتُ لِوَتْرِهِ مِنْ ثَانِ*
*حَدِّثْ بِمَا قَدْ شِئْتَهُ مِنْ فَضْلِهِ ** فَلَهُ الَّذِي يَسْمُو عَنِ التِّبْيَانِ*
ويقول:
*وَأَبُو الأَمِينِ مُحَمَّدٌ عَبْدُ الإِلَـ ** ـهِ أَخُو الصَّلاَحِ وَنَجْدَةٌ لِلزَّائِرِ*
وله أيضا:
*مُحَمَّدُ عَبْدُ اللهِ غَوْثٌ وَمَأْمَنٌ ** لِكُلِّ أَخِي خَوْفٍ إِذَا عَدِمَ الأَمْنَا*
وقد جمع مؤلف "اللؤلؤ المشاع، في مآثر أبناء أبي السباع" ما قيل من مدائح
ومراثي وأخبار هذا الولي الشريف وهذه نماذج منه:
يقول أحمدو بن أسند الجكني من قصيدة له:
*يَا جَوْهَرَ الأَشْرَافِ فِي الأَنْدَاءِ**وَغَوْثَ كُلِّ ذَاهِبٍ وَجَاءِ*
*مُحَمَّدًا عَبْدَ الإِلَهِ الرَّائِي**بِقَلْبِهِ حَقَائِقَ الأَشْيَاءِ*
ويقول محمد الأمين بن اخليفه من قصيدة له:
*يَا لَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ لِمُحَمَّدْ**عَابِدِ اللهِ مَنْ أَطَاعَ الْعَلِيمَا*
ويقول المختار بن محمد الأمين المجلسي من نظم له الأغلب من أشطاره الأخيرة من لامية الأفعال:
*بَنَى مُحَمَّدْ عَابِدُ اللهِ النَّــدَى**قِدْمًا وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا*
*فَوَصْفُهُ بِكُلِّ وَصْــفٍ قَـدْ حُمِدْ**يَجُوزُ نَحْوَ فَائِزٌ أُولُوا الرَّشَــدْ*
*وَهْوَ لأَخْلاَقِ جُدُودِهِ اعْتَمَى**وَشَذَّ مُعْطًى غَيْرَ مَــا قَدْ رُسِمَا*
*فَانْفِ بِمَا نَظِيرَهُ فِي الْكُرَمَا**وَالْتَزِمِ التَّعْلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ مَا*
*وَاذْكُرْ صِفَاتِهِ بِلاَ تَقْلِيلِ**وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ*
*وَقُلْ وَظُنَّ فِيهِ خَيْرًا وَتُقَى**وَأُجْرِيَ الْقَوْلُ كَظَنَّ مُطْلَقَا*
*لَهُ التُّقَى وَالْحِلْمُ وَالْجُـودُ كَمَا**إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا*
*وَالِدُهُ كَانَ الذَّكِيَّ النَّدُسَـا**فَهْوَ بِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ ذُو ائْتِسَا*
*وَسَعْيُهُ لِفِعْلِ بِرٍّ وَعَــلاَ**كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلاَ*
*خَوْفُ الإِلَهِ دَأْبُهُ فَإِنْ ظَهَرْ**فَهْوَ وَإِلاَّ فَضَمِيرٌ اسْتَتَرْ*
*رَاحَتُهُ بِالْبَذْلِ نَقْدًا تَجْتَزِي**وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ*
*بِالْحَمْدِ فِي أَيَّامِهِ يَنْفَرِدُ**وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ*
*أَخْلاَقُهُ تَظْهَرُ عِنْدَ مَا يُرَى**وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ اضْمِرَا*
*وَأَفْرِدَنْهُ عَنْ سِوَاهُ بِالْعَلاَ**وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإِلاَّ فَضُلاَ*
*بَنُوهُ شَابَهُوهُ فِي الْمَحَافِلِ**يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ*
*وَإِذْ حَكَى أَبَاهُ طِيبَ أَصْلِ**كَالأَوَّلِ اجَعَلنَّهُ كَاسْتُحْلِي*
*فَانْسُبْ لَهُ مَا لأَبِيهِ مِنْ رُتَبْ**وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبْ*
*وَلِبَنِيهِ مَا لَهُ مِنْ مَفْخَرِ**وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ اوْ مِنْ مَصْدَرِ*
*وَلاَ أَظُنُّ أَنْ يُرَى مِثْلُ الأَغَرْ**فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ*
.......................... يتبع ...........................