بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على محمد و آل محمد
و بعد: في كلمة اولى منا نتوجه بجزيل الشكر و أتمه الى السيد الشريف إيهاب التركي على منحنا هذا الفضاء الخاص بآل سليمان بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه بن ابي طالب، و اشكر ثانيا السيد الشريف محمد البوخاري على مساهماته القيمة و لن أنسى بطبيعة الحال كل الأعضاء الذين آزرونا و رحبوا بنا كأبناء عمومة بيننا من القواسم المشتركة التي تجمعنا اكثر مما يفرقنا، و سأعمل بحول الله من خلال موضوعي هذاعلى سرد أهم ما جاء في نسب السلمانيين من مؤتلف القول مع توضيح ما توصلنا اليه من مختلفه و نرجوا من الإخوة المساهمة الفعالة حتى نخرج بنتيجة و خلاصة اكثر موضوعية و منطقية أقول و اتكالي على الله:
لقد اختلف العلماء في اول الداخلين الى بلاد المغرب من البيت السليماني فمن قائل بحدوث ذلك لسيدنا سليمان بن عبد الله المحض و سنطلق على هذا الرأي رقم 1، و من قائل بحدوثه لابنه سيدنا محمد بن سليمان و سنطلق على هذا الرأي رقم 2، و هذا يدفعنا الى طرح بعض ما ورد عن المؤرخين سواء القدامى منهم او المتأخرين، و سنحاول مناقشة الرايين بما توفر لنا لنخرج بخلاصة توفيقية في الأخير حول هذا الخلاف
قال ابن خلدون في ديوان العبر المجلد الثالث، في معرض حديثه عن قيام الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه، ما نصه "..... فانهزم الحسين و أصحابه و قتل كثير منهم، و انصرف محمد بن سليمان و أصحابه الى مكة و لحقهم بذي طوى رجل من خراسان براس الحسين ينادي من خلفهم بالبشارة، حتى ألقى الرأس بين أيديهم مضروبا على قفاه و جبهته، و جمعت رؤوس القتلى فكانت مائة و نيفا و فيها رأس سليمان أخي المهدي بن عبد الله، و اختلط المنهزمون بالحاج.....و أفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله أخو المهدي فأتى مصر......و وقع بمدينة وليلة من أعمال طنجة.....و كان لأدريس و ابنه إدريس و أعقابهم حروب نذكرها...... " انتهى من لفظه
قال ابن خلدون في ديوان العبر المجلد الرابع، في معرض حديثه عن الأدارسة ملوك المغرب، ما نصه :".....فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته و انهزموا و أسر كثير منهم، و نجا يحيى و سليمان، و ظهر يحيى بعد ذلك في الديلم.....إلى أن قال : و أما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس، و طلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة و طلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه و لحق بتلمسان فملكها و أذعنت له زناتة و سائر قبائل البربر هناك، و ورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سنته ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط، و اقتسموا ممالكه و نواحيه" انتهى من لفظه.
ثم يقول ايضا في معرض حديثه عن خبر مبدأ دولة الموحدين بالمغرب الأقصى و خلال تناوله بالحديث اخبار مؤسس حركتهم محمد المهدي بن تومرت، ما نصه" و زعم كثير من المؤرخين أن نسبه في أهل البيت، و أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفيان بن صفوان بن جابر بن عطاء بن رباح بن محمد من ولد سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب أخي إدريس الأكبر الواقع نسب الكثير من بنيه في المصامدة و أهل السوس. ذكر ابن نخيل في سليمان هذا، و أنه لحق بالمغرب إثر أخيه إدريس، و نزل تلمسان و افترق ولده في المغرب، قال: فمن ولده كل طالبي بالسوس.....: انتهى من لفظه
قال الشيخ احمد بن خالد الناصري في كتابه الإستقصا لتاريخ دول المغرب الأقصى في معرض حديثه عن دولة الأدارسة ما نصه: " ..... و لحق به من إخوته سليمان بن عبد الله و نزل بأرض زناتة من تلمسان و نواحيها، كذا عند ابن خلدون في أخبار الأدارسة، و الذي عنده في أخبار بني العباس و كذا عند أبي الفداء أن سليمان بن عبد الله بن حسن قتل بوقعة فخ و جمع رأسه مع الرؤوس فالله أعلم. " انتهى من لفظه
قال الشريف سيدي عبد الله بن محمد بن الشارف بن سيدي علي حشلاف في كتابه سلسلة الأصول في شجرة ابناء الرسول في معرض حديثه عن السليمانيين ما نصه : " ......تقدم لنا ان اول من دخل المغرب الأقصى هو مولانا ادريس.....و بعده مولانا سليمان و قيل اول من دخل المغرب و نزل تلمسان هو مولانا سليمان و صححه الحلبي و أبو الربيع العلمي اعتمادا على ما للنوفلي و ابن خلدون و ابن ابي زرع و غيرهم و قيل الداخل له و النازل بتلمسان هو ابنه محمد دفين جبل وهران و عليه جمهور المتقدمين قالوا ان سليمان قتل بفخ كما عند مصعب و ابن حزم و غيرهما و المبايع له بتلمسان هو ابنه محمد دفين جبل وهران....." انتهى من لفظه
و مما سلف نرى كيف ان ابن خلدون بنفسه وقع في تذبذب الأخبار دون إعطائنا الخبر الصحيح فتارة يورد مقتل سليمان بن عبد الله المحض و تارة اخرى يورد سقوطه الى المغرب الأقصى، و لكم الناصري هو الآخر لم يحسم الخلاف بترجيح احد الأمرين و انما اكتفى بوضع الكلمة الفصل فالله اعلم، و اخيرا سيدي عبد الله حشلاف يورد الرأيين و لكننا نلمس ترجيحه لرأي دخول محمد بن سليمان و ليس والده سليمان بن عبد الله المحض، و بعد هذا التبسيط للقولين المختلفين معا، ادعوكم الى الإبحار في فضاء الإفتراضات المنطقية علها تسعفنا في الوصول الى قبس من الضوء ينير لنا دروب الحيرة المظلمة.
***** إن أردنا حسم الأمر حسابيا، فالقائلون بمقتل المولى سليمان بفخ و دخول محمد بن سليمان الى المغرب الأقصى اكثر من القائلين بدخول المولى سليمان، و عبر هذا الإفتراض نسجل نقطة واحدة لترجيح الرأي رقم 2.
***** إن أردنا عرض الأمر على طاولة المنطق، نقول : لو سلمنا بما أورده الشريف عبد الله حشلاف عن بعض المؤرخين، من أن اول الداخلين حتى قبل الإمام إدريس، هو المولى سليمان و أن الأخير ترك ولده محمدا هناك ثم عاد الى الحجاز و حضر وقعة فخ التي قتل بها، فمن حقنا هنا أن نتسائل
1/- لماذا تجاوز الإمام إدريس ابن أخيه محمد بن سليمان في تلمسان و نزل بوليلي؟؟؟؟؟
2/-خلال رحلة الإمام إدريس من المشرق الى المغرب، ترواحت مواقف من مر بهم بين مؤيد و معارض فما كان موقف المولى محمد بن سليمان من عمه الإمام؟؟؟؟؟
3/-ألم يكن حريا ببيت عبد الله المحض و المتمثل في ادريس الناجي من فخ و محمد بن سليمان المتوج بتلمسان التظافر ؟؟؟؟؟ و هو ما كان سيقع فعلا لو كان لمحمد بن سليمان ملك بتلمسان قبل عمه.
4/- هل المولى سليمان اكبر من الإمام ادريس بالمدة التي تجعله ينجب ابنا في مثل سن اخيه ادريس او قريبا منه و يتولى الملك قبل عمه؟؟؟؟؟
5/- و أمام قول ابن خلدون: و أما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس، و طلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة و طلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه و لحق بتلمسان فملكها و أذعنت له زناتة و سائر قبائل البربر هناك، و هذا الرأي له ما ينقظه نبينه فيما يلي: دخول الإمام ادريس الى المغرب ثبت انه كان سنة 172 هجرية و وفاته كانت سنة 177 هجرية فكيف خفي امر المولى سليمان بالمشرق طول هذه المدة؟؟؟؟؟
و هب ان هذه الرواية صحيحة و انه ملك تلمسان الم يكن حريا به ان يقصد فاسا اولا و هي دار امان له ؟؟؟؟؟ ثم كيف يملك تلمسان و دولة الأدارسة في عز قوتها؟؟؟؟؟ و كيف يستطيع هو الطارئ الحادث بالبلاد على تحقيق ما لم تستطع دولة الأغالبة الراسخة بالبلاد تحقيقه؟؟؟؟؟ثم كيف لم ينل الملك بعد اخيه ادريس على فرض ان ادريس الثاني لم يولد بعد او لنقل انه كان صغير السن جدا لأنه تولى الملك و هو في سن التاسعة ؟؟؟؟؟
6/- على فرض ان محمد بن سليمان كان متوجا على تلمسان فحري بها ان تكون على دين الإسلام الصحيح لا العكس، لكن التاريخ يثبت لنا ما يلي من كتاب الإستقصا لتاريخ دول المغرب الأقصى "....سنة تسع و تسعين و مائة، فخرج في المحرم برسم غزو قبائل نفزة من أهل المغرب الأوسط و من بقي هناك على دين الخارجية من البربر، فسار حتى غلب عليهم و دخل مدينة تلمسان فنظر في أحوالها و أصلح سورها و جامعها(بناه الإمام ادريس الأكبر)و منبرا.....مكتوبا فيه هذا ما أمر به الإمام ادريس بن ادريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم في شهر المحرم سنة 199 و قد تقدم لنا ما يخالف هذا و الله اعلم و أقام ادريس بمدينة تلمسان و أحوازها يدبر أمرها و يصلح أحوالها ثلاث سنين ثم رجع الى مدينة فاس " انتهى من لفظه، فلماذا غزا الإمام ادريس الثاني مدينة تلمسان لو كانت دار ملك لابن عمه؟؟؟؟؟، و التاريخ لم يذكر في تلك الفترة ان تلمسان كانت دار ملك لأية مملكة بل حاضرة من حواضر المغرب فقط.
7/- دخول الإمام إدريس الثاني لتلمسان يعني انها صارت ضمن مملكته، فلماذا بعد وفاته لم يجعلها ابنه محمد في سهم أي من إخوته؟؟؟؟؟
هذه بعض اهم الأسئلة التي تدفعنا أجوبتها دفعا في اتجاه ترجيح الرأي الثاني و المتمثل في ثبوت دخول المولى محمد بن سليمان الى بلاد المغرب و تدفعنا ايضا الى ترجيح خبر انه ورد على ابن عمه ادريس الثاني و أن الأخير وهبه عمل تلمسان و احوازه. و ختما نرجوا منكم اخواني و سادتي ان تشاركونا بنافع آرائكم و نتمنى ايضا ان يكون هذا الموضوع مزيلا لبضع اللبس الحاصل في هذه المسألة و في الحلقة القادمة بحول الله سنتناول الذرية السليمانية بالتفصيل و التحليل. و الله ولي التوفيق.