...................... يتبع ..................................
هذا ومن كرمه، وتواضعه، وحسن أخلاقه، ونبل فعاله، وعنايته بالضيوف وأبناء السبيل وعطفه على الضعفاء، ما رواه العلامة الإمام بن الشريف ابن سيدي أحمد بن الصبار المجلسي، قال: "رافقت ذات مرة صديقي الحميم الولي الشريف محمد عبد الله ابن عبد الودود، وجماعة من أفاضل أبناء عمه الشرفاء السباعيين، الموجودين بمدينة اللُّوكَ آنذاك، حيث خرجوا متوجهين نحو مدينة أنْكَايْ مَخِ السنقالية تلبية لدعوة أحد أفاضل أبناء عمومتهم يقطن في هذه المدينة، وبعد وصولهم إلى منزل هذا الداعي، واطمئنان الجلاس، وهدوء المجلس، واعتلاء المدعوين للفرش الفاخرة المعدة لهم فاجأهم اقتحام نفر من باعة الملح للغرفة التي يجلس فيها وفد الشرفاء المدعو، وجلس أفراد ذلك النفر في وسط المجلس، وكلهم يرتدي خرقة بالية، قد احمر لونها لشدة اتساخها، وكانت شعورهم ثائرة تثير الرعب في النفوس قبل أن تشمئز الأعين من رؤيتها المخيفة. فما كان من الندب الكريم محمد عبد الله ابن عبد الودود إلا أن يفسح لهم في المجلس، ويجلس معهم يحادثهم ملاطفة، وإيناسا لهم ولما قدمت الموائد، وألوان الطعام، جلس على الخوان معهم، وأخذ يؤاكلهم تواضعا لله تعالى، ورحمة بعباده المسلمين، الغرباء، البائسين، وتنازلا عن جماح الشباب، وعزوفا منه عن الكبر، وتقدير النفس، والإعجاب بجمال المنظر، والاغترار بشرف النسب، وكرم المحتد، وعظم المنزلة الاجتماعية، والمكانة التجارية؛ فاستغرق الحضور التعجب من تواضع هذا البدر المنير، الشريف الشاب الجميل، الذي يجلس إلى هؤلاء الصعاليك، البداة، ويؤاكل أولئك الأجلاف المتوحشين الذين يستقذر منظرهم كل شخص في نفسه نزعة من الكبر، والإعجاب بالنفس، والاغترار بالمظاهر الشكلية، فكأنه هو المعني في قول الشاعر:
*تَكَامَلَتْ فِيكَ أَوْصَافٌ خُصِصْتَ بِهَا**فَكُلُّنَا بِكَ مَسْرُورٌ وَمُغْتَبِطُ*
*السِّنُّ ضَاحِكَةٌ وَالْكَفُّ مَانِحَةٌ**وَالنَّفْسُ وَاسِعَةٌ وَالْوَجْهُ مُنْبَسِطُ*
وقول الآخر:
*بَنَتِ الْمَكَارِمُ وَسْطَ كَفِّكَ مَنْزِلاً**وَجَمِيعُ مَالِكَ لِلأَنَامِ مُبَاحُ*
*فَإِذَا الْمَكَارِمُ قُفِّلَتْ أَبْوَابُهَا**فَيَدَاكَ هِيَ لِقِفْلِهَا مِفْتَاحُ*
وقول الآخر:
*يَكَادُ يَحْكِيكَ صَوْبُ الْغَيْثِ مُنْسَكِبًا**لَوْ كَانَ طَلْقَ الْمُحَيَّا يُمْطِرُ الذَّهَبَا*
*وَالدُّرُّ لَوْ لَمْ يَخُنْ وَالشَّمْسُ لَوْ نَطَقَتْ**وَاللَّيْثُ لَوْ لَمْ يَصِدْ وَالْبَحْرُ لَوْ عَذُبَا*
وقول الآخر:
*لِمُخْتَلِفِي الْحَاجَاتِ جَمْعٌ بِبَابِهِ**فَهَذَا لَهُ فَنٌّ وَهَذَا لَهُ فَنُّ*
*فَلِلْخَامِلِ الْعَلْيَا وَلِلْمُعْدِمِ الْغِنَـى**وَلِلْمُذْنِبِ الْعُتْبَى وَلِلْخَائِفِ الأَمْـنُ*
وكأنه معني بقول الشاعر في جده عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله عنهم .
*يَا مَنْ يُؤَمِّلُ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ**كَصِفَاتِ عَبْدِ اللهِ أَنْصِتْ وَاسْمَعِ*
*اصْدُقْ وَعُفَّ وَبِرَّ وَاصْبِرْ وَاحْتَمِلْ**وَاحْلُمْ وَدَارِ وَكاَفِ وَابْذُلْ وَاشْجَعِ*
وكأن ابن الرومي يعنيه بقوله:
*جَنَابُكَ لَيْسَ لِي عَنْهُ انْتِقَالٌ**وَإِنِّي مَا وَجَدْتُ لَهُ مِثَالاَ*
*كَرِيمٌ مَاجِدٌ حُرٌّ وَفِيٌّ**عَنِ الْحَسَنَاتِ لاَ يَبْغِي زَوَالاَ*
وكأن والده محمد المصطفى بن عبد الودود أوصاه بما قاله الشعراء في الأبيات التالية:
*اِزْرَعْ جَمِيلاً وَلَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ**مَا خَابَ قَطُّ جَمِيلٌ أَيْنَمَا زُرِعَا*
***
*أُشْدُدْ يَدَيْكَ بِمَنْ بَلَوْتَ وَفَاءَهُ**إِنَّ الْوَفَاءَ مِنَ الرِّجَالِ عَزِيزُ*
***
*صَافِ الْكِرَامَ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ التُّقَى**وَاحْذَرْ عَلَيْكَ مَوَدَّةَ الأَنْذَالِ*
***
*صُنِ الْعِرْضَ وَابْذُلْ كُلَّ مَالٍ مَلَكْتَهُ**فَإِنَّ ابْتِذَالَ الْمَالِ لِلْعِرْضِ أَصْوَنُ*
***
*عَطَاؤُكَ ذَا الْقُرْبَى عُلُوٌّ وَفَوْقَهُ**عَطَاؤُكَ فِي أَهْلِ الشَّنَاءَةِ وَالْبُعْدِ*
***
*عَفَافُكَ غَيٌّ إِنَّمَا عِفَّةُ الْفَتَى**إِذَا عَفَّ عَنْ لَذَّاتِهِ وَهْوَ قَادِرُ*
***
*فَالْحِلْمُ أَحْسَنُ مَا ازْدَانَ اللَّبِيبُ بِهِ**وَالأَخْذُ بِالْعَفْوِ أَحْلَى مَا جَنَى جَانِ*
***
*مَلَّتْ جَهَابِذُ فَضْلٍ وَزْنَ نَائِلِهِ**وَمَلَّ كَاتِبُهُ إِحْصَاءَ مَا يَهَبُ*
*وَاللهِ لَوْلاَكَ لَمْ يُمْدَحْ بِمَكْرُمَةٍ**خَلْقٌ وَلَمْ يَرْتَفِعْ مَجْدٌ وَلاَ حَسَبُ*
وفي جماعة من الشرفاء السباعيين، تضم هذا الولي الشريف يقول الطبيب الندب الهمام المختار بن الشيخ الحكيم محمد بن أوفى المقطوعة الشعرية الآتية:
*مِنَ ابْنَا ذِي السِّبَاعِ لَقِيتُ عِيرَا**أَعَارَ الْقَلْبَ مِنْ فَرَحٍ سَعِيرَا*
*فَذَكَّرَنِي زَمَانَ الْوَصْلِ قِدْمًا**وَتِسْعَةَ فِتْيَةٍ فَقَدُوا عَشِيرَا*
*فَمَا رَكِبُوا سِوَى بُزْلٍ وَنُوقٍ**جَدِيلاَتٍ وَمَا زَمُّوا بَعِيرَا*
*فَمَا أَخَذُوا سِوَى تَمْرٍ وَلَحْمٍ**لِزَادِهِمُ وَمَا أَخَذُوا شَعِيرَا*
*وَكُلُّ مَزَادَةٍ تُبْدِي جَفَافًا**وَقَدْ ضَمَّتْ بِبَاطِنِهَا غَدِيرَا*
*يَصُفُّونَ الْكُؤُوسَ مُصَفِّيَاتٍ**مِنَ الرَّاحِ الْعَتِيقَ الْمُسْتَدِيرَا*
*وَضَيْفُهُمُ الْمُقَدَّمُ كُلَّ وَقْتٍ**مَتَى أَكَلُـوا وَإِنْ بَسَطُوا سَرِيرَا*
- والمختار المذكور هذا هو: المختار بن الشيخ محمد بن أوفى الشمشوي،وقد أنجبته الصالحة الشفا بنت باب - إبنة عم والده - للشيخ محمد بن أوفى حوالي سنة 1880م . وقد توفي سنة 1943م تاركا وراءه عالما باكيا،نادبا ومعزيا،وراثيا الصلاح,والعلم,والطب,والآداب والأخلاق الفاضلة؛-
......................... تابع ..........................