مقدمة لا بد منها :
التاريخ يتحدث عن نساء كثيرات، ولكن قليل من وقف المؤرخون أمامهن ومن هؤلاء القليل امرأة هى أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، امرأة لو جمع علمها الى علم جميع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء، لكان علمها أفضل.
وقال عنها عطاء بن أبي رباح: كانت أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة.
وقد قال عنها عروة: ما رأيت أحداً أعلم بفقه، ولا طب، ولا شعر منها.
انها المرأة التى ولدت فى بيت مسلم ورباها الصديق شيخ المسلمين وأفضلهم بعد النبى صلى الله عليه وسلم، ففى البخارى أنها قالت خلال حديثها عن هجرتها إلي المدينة المنورة : ( لم أعقل أبوي قط إلا يدينان الدين).
إنها امرأة نبتت نباتا حسنا فكانت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، منذ الطفولة وحتى الموت مرت بها أحداث جسام ولكن أنى لهذه الريح أن تضعف عود هذه الشجرة الطيبة، انها المرأة التى رعاها فى شبابها نبى البشرية ومعلمها الأول، وأكرم البشر وأفضلهم صلى الله عليه وسلم زوجا وحبيبا ومعلما.
إنها أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها والتى قال عنها النبى صلى الله عليه وسلم: ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون . وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري.
حياتها مع النبى صلى الله عليه وسلم تملأ كتب التاريخ، و مثار حديث كل العلماء على مر التاريخ.
إنها المرأة التى مات فى بيتها وعلى صدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخر ريق مسه ريقها، واخر جسد لمسه جسدها، فقد ورد فى البخارى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غدا أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي).
إنها امرأة يحق لكل نساء العالم أن يغرن منها ويحسدنها على الشرف الذى تحمله، فهى ابنت الصديق وزوجة الصادق الأمين وحبيبته.
وثبت في (صحيح البخاري) أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمع أزواجه إلى أم سلمة وقلن لها: قولي له يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان. فقالت أم سلمة: فلما دخل عليّ قلت له ذلك فأعرض عني، ثم قلن لها ذلك فقالت له فأعرض عنها، ثم لما دار إليها قالت له، فقال: "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي في بيت وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها".
وذكر: "أنهن بعثن فاطمة ابنته إليه فقالت: إن نساءك ينشدونك العدل في ابنة أبي بكر بن أبي قحافة. فقال: "يا بنية ألا تحبين من أحب؟" قالت: قلت: بلى !. قال: "فأحبي هذه".
وفى الصحيحين عن عمرو ابن العاص، رضى الله عنه انه سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أى الناس أحب إليك يارسول الله؟ قال :عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها.
يا الله ،امرأة هى احب الناس إليه وأبوها يليها فى المحبة.. امرأة حبنا لها عبادة، وحبنا لها حب للنبى صلى الله عليه وسلم، وحب لإبيها، وحب للقيم والأخلاق والعلم والسمو والرفعة، امرأة يجب أن تحسدنا البشرية كلها على أنها فى تاريخنا.
دعونا نعيش أروع اللحظات مع أمنا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، ونزداد شرفاً أن تكون هى أمنا..
وسيكون لأروع قصة حب عرفها التاريخ جزء كبير خلال حديثنا عن أمنا عائشة رضى الله عنها، وأتمنى أن نحبها كما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولادتها :

كانت ولادة السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بمكة, بعد أربع سنين أو خمس سنين من بعثته ـ صلي الله عليه وسلم ـ ونشأت في هذا الجو الإسلامي الذي يظل أبويها, فأسلمت وهي في سن الصبا, وكما ذكرت من قبل ما جاء في صحيح البخاري أنها قالت خلال حديثها عن هجرتها إلي المدينة المنورة لم أعقل أبوي قط إلا يدينان الدين. وكانت معرفة الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بها وبأختها أسماء, وببقية أفراد أسرة أبي بكر, مبكرة, لأنه ـ صلي الله عليه وسلم ـ كان يتردد كثيرا علي بيت أبي بكر, وكان يري عائشة ويلاطفها وهي في سن الصبا,
زواجها من النبى صلى الله عليه وسلم :

تزوج النبى صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة بعد وفاة السيدة خديجة رضى الله عنها ، وبعد زواجه من السيدة سودة بنت زمعة، وقد تزوجها النبى صلى الله عله وسلم قبل الهجرة وبنى بها بعد الهجرة.
وهي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الاخرة ايضاً، ولم يحب الرسول الكريم امرأة حُبها.
وما تزوج صلى الله عليه وسلم بكراً سواها.
وحتى لانطيل سوف أضع قصة زواجه صلى الله عليه وسلم كما وردت فى مسند الأمام أحمد، وسوف نرى معانى كثيرة فى الحديث الشريف..
يروى الامام أحمد فى مسنده: لما هلكت خديجة جاءت خَوْلَة بنت حكيم امرأة عثمان بن مَظْعُون قالت: يا رسول الله! ألا تزوّج؟ قال: (مَنْ ؟)، قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً، قال: (فَمَنِ البِكْرُ؟) قالت: ابنة أحبّ خلق الله عزّ وجلَّ إليك عائشة بنت أبي بكر، قال: (ومَنِ الثَّيّيبُ ؟) قالت: سَودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتّبعتك على ما تقول، قال: (فاذهبي، فاذكريهما عليَّ).
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمّ رُومان! ماذا أدخل الله - عزّ وجلّ - عليكم من الخير والبركة، قالت: وما ذلك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطبُ عليه عائشة. قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة. قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- أخطب عليه عائشة . قال: وهل تصلحُ له؟ إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- فذكرت له ذلك. قال: "ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي"، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج.
قالت أم رُومان: إن مُطعِم بن عديّ قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قطّ فأخلفه، لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قُحافة! لعلّك مُصْبٍ صاحبنا مُدخِله في دينك الذي أنت عليه إن تزوّج إليك، قال أبو بكر للمُطعم بن عديّ: أقولَ هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله - عزّ وجلّ -ما كان في نفسه من عِدَته التي وعده، فرجع، فقال لخولَة: ادعي لي رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم فزوّجها إيّاه، وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين.
فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة خلّف أهله وبناته، ثم إنهم قدموا المدينة، فنزلت عائشة رضي الله عنها مع عيال أبي بكر بالسُّنح، فلم تلبث أن وُعِكَت - أي أصابتها الحمّى - فكان أبو بكر رضي الله عنه يدخل عليها قيُقبِّل خدّها ويقول: كيف أنت يا بُنية؟ قالت عائشة: فتَمَرَّق شعري - تساقط - فوفَى جُمَيْمَة - كثر – فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: (الصَّداقُ)، فأعطاه أبو بكر خمسمائة درهم.
قالت عائشة: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم ضحى فدخل بيتنا، فأتتني أمّي أمّ رُومان، وإني لفي أُرْجُوحَة ومعي صواحب لي، فصرخت بي، فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأُنْهِج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذتْ شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقُلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهنّ، فأصلحن من شأني، فلم يَرْعني إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم فأسلمتني إليه، وهي يومئذ بنت تسع سنين ولُعبها معها. قالت عائشة: وبنى بي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- في بيتنا.
الزوجة التلميذة والمرأة المعلمة :

وقد يتعجب بعض الناس من زواج النبى صلى الله عليه وسلم وبنائه بالسيدة عائشة وهى فى هذه السن (9 سنوات) والحقيقة إنه لا غرابة فى ذلك مطلقا لأن هذا كان أمرا طبيعيا عند العرب فى هذا الوقت وحتى أوقات قريبة ، ولكن المستشرقين حاولوا استغلال هذه النقطة ولكنهم فشلوا عندما وجدوا أن هذا كان أمرا طبيعيا عند كافة القبائل، ولقد آثرت أن أضع الحديث كاملا حتى نرى انه لم يكن هناك ثمة اعتراض او حديث عن صغر سن السيدة عائشة عند بناء النبى صلى الله عليه وسلم، حيث أن الأمر كان طبيعيا.
وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن.
ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة.
غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها وهى في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين.
ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها.
ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية كما ذكرت من قبل وهى الثيب ولم يفكر فى البكر، لأن المرحلة كانت تحتاج السيدة سودة.
وكذلك كان زواج النبى صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضى الله عنها، فقد كان زواجها في سن مبكر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ونشأتها في بيت النبوة، لتصبح (رضي الله عنها) تلميذة نبوية ولتتخطى هذه الفتاة الصغيرة دورها كامرأة لتصبح معلمة أمة بأكملها ألا وهي الأمة الإسلامية، وكيف لا تكون معلمة لأمة الاسلام وهى قد تربت على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم الأول للأمة الاسلامية .
ونتيجة ذلك فقد تشبَّعت عقليتها بمفاهيم الإسلام وأفكاره، وأصبح سلوكها تطبيقا عمليا حيا، وتجسيدا لهذه الأفكار ومثالا راقيا للانسجام بين الأفكار والسلوك، وأصبحت السيدة عائشة مثالا يحتذى فى السلوك الاسلامى الراقى الذى يجب أن يحتذى لأنه سلوك انسجم تماما مع الأفكار والمبادئ الاسلامية ، وأصبحت حجرتها المباركة وجهة طلاب العلم حتى غدت هذه الحجرة أول مدارس الإسلام وأعظمها أثر في تاريخ الإسلام.
المراجع:
1- سيرة بن هشام.
2- اسد الغابة لابن الأثير.
3- مسند الأمام أحمد.
4- أبحاث موجودة على الشبكة العنكبوتية
