إدريس وثورة الفخ:
في سنة 169 هـ ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب بالمدينة بسبب سوء معاملة عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب عامل المدينة من قبل الهادي للعلويين وبويع الحسين بالخلافة في المدينة واقام بها 11 يوماً ثم سار الى مكة فالتقى مع الجيش العباسي بقيادة سليمان بن المنصور بفخ وهو وادي في طريق مكة يبعد نحو ستة اميال فانهزم العلويون وقتل في هذه الواقعة معظم اصحاب الحسين بن علي بن الحسن وكان قد اشترك في القتال معه ادريس بن عبدالله بن الحسن واخوه يحيى بن عبدالله بن الحسن ونجح ادريس في الافلات مع المنهزمين من بني الحسن فاستتر بعض الوقت والح العباسيون في طلبه(2).
بعد فشل ثورة الحسين بن علي في وقعة الفخ عاد سليمان اخو محمد ذي النفس الزكية الى تلمسان مرة اخرى يدعو لامامة يحيى بن عبدالله بن الحسن الذي نجح في تأسيس دولة بطبرستان ثم لحق به ادريس بن عبدالله للمرة الثانية من اجل الدعوة لأخيه يحيى كذلك فلما علم بنهايته اقام الدعوة لنفسه(3).
عندما وصل ادريس بن عبدالله تلمسان للمرة الثانية ومنها انتقل الى طنجة واتصل بزعيم قبيلة أوربة كان يعد العدة من خلال دعوة محكمة وتنظيم دقيق لتأسيس دولة علوية بالمغرب الأقصى دليلنا على ذلك انه ابان رحلته من مكة عبر مصر الى المغرب كان يرافقه مولاه راشد الذي لم يكن اختياره عبثاً اذ نعلم انه ينتمي في نسبه الى قبيلة أوربة وهو امر يتيح لادريس الاتصال باسحاق بن محمود بن عبدالحميد زعيم أوربة لتأسيس الدولة المنشودة وان دور راشد لم يكن مجرد ان يد له الى المغرب ذلك ان ادريس على دراية بمسالك المغرب الذي قدم اليه من قبل كداعية لمحمد ذي النفس الزكية وانما كانت مهمة راشد هي تمهيد الاتصال بين ادريس واسحاق الأوربي لتأسيس دولة بني ادريس(4).
قيام الدولة الادريسية في المغرب:
عندما نزل ادريس بمدينة وليلي في سنة 172 هـ نزل على اسحاق بن محمود بن عبدالحميد الأوربي امير أوربة وكبيرهم فأجاره واكرمه فاقام عنده زهاء ستة أشهر تمكن خلالها من نشر دعوته وتمكن بفضل فصاحة لسانه وبلاغته من التأثير في نفوس البربر خاصة بعد ان عرفوا قرابته من الرسول (صلى الله عليه وآله) فاجتمعت عليه قبائل أوربة ومغيلة وصدينة وتبعها قبائل زنانة وهي زواوه لواته وسداراته ونفزة ومكناسة وغمازة وبايعوه بالامامة وتمكن ادريس من تأليف جيش كبير غزا به بلاد تامسنا فأفتتح شالة وسائر حصون تامسنا حتى وصل الى تادلا فافتتح حصونها ثم بلغ ماسة وكان اكثر مكان هذه البلاد على دين النصرانية واليهودية والمجوسية ولم يكن الاسلام قد انتشر بعد في انحائها وعاد ادريس بعد هذه الغزوة الى وليلي في نفس السنة (172) هـ فأراح عسكره في محرم (173) هـ ثم خرج للغزو مرة ثانية فغزا حصون فندلاوة وحصون مديونة وبهلونة وقلاع غياثة وبلاد فازاز ثم عاد بعد ذلك الى وليلي فدخلها في منتصف جمادي الآخرة سنه (173) هـ واقام بوليلي بقية شهر جمادي الآخرة ونصف رجب التالي ريثما استراح جنده ثم خرج في منتصف رجب برسم غزو مدينة تلمسان ومحاربة من بها من قبائل مغراوة وبني يفرن الخوارج فحاصرها فخرج اليه صاحبها محمد بن خزر الزناتي مستأمناً وبايعه وبايعته قبائل البربر فقبل ادريس بيعتهم ودخل تلمسان وبنى فيها مسجداً ثم عاد الى وليلي وعلى هذا النحو تمكن ادريس من اقامة دولة قوية بالمغرب الاقصى(5) ووضع دستورها وقانونها ضمن رسالة له نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل النصر لمن اطاعه وعاقبة السوء لمن عصاه ولا اله الا الله المتفرد بالوحدانية الدال على ذلك بما اظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره الذي لا يدرك الا اعلامه وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه أحبه وأصطفاه واختاره وارتضاه صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين، اما بعد فاني: ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والاخذ بيد المظلوم واحياء السنة واماتة البدعة وانفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد. واذكروا الله في ملوك غيروا وللامان خفروا ولعهد الله وميثاقه نقضوا ولبني نبيه قتلوا، واذكركم الله في ارامل احتقرت وحدود عطلت وفي دماء بغير حق سفكت، فقد نبذوا الكتاب والاسلام فلم يبق من الاسلام الا اسمه ولا من القرآن الا رسمه. واعلموا عباد الله ان مما اوجب الله على اهل طاعته المجاهزة لاهل عداوته ومعصيته باليد واللسان فباللسان الدعاء الى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والحرص على طاعة الله والتوبة عن الذنوب بعد الانابة والاقلاع والنزوع عما يكرهه الله والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق والتناهي عن معاصي الله كلها والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله حتى تنفذ بصائرهم وتكمل وتجتمع كلمتهم وتنتظم فاذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً وللظالمين مقاوماً وعلى البغي والعدوان قاهراً. اظهروا دعوتهم وندبوا العباد الى طاعة ربهم ودافعوا اهل الجور على ارتكاب ما حرم الله عليهم وحالوا بين اهل المعاصي وبين العمل بها فان في معصية الله تلفاً لمن ركبها واهلاكاً لمن عمل بها. ولا يؤيسنّكم من علو الحق واضطهاده قلة انصاره فان في ما بدا من وحدة النبي (صلى الله عليه وآله) والانبياء الداعيين الى الله قبله وتكثيره اياهم بعد القلة واعزازهم بعد الذلة دليلا بيناً وبرهاناً واضحاً قال الله عز وجل: (ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة)(6) وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز)(7).
البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)(9)، (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)(10).
كما مدحهم واثنى عليهم كما يقول: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)(11)، وقال عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض)(12).
وفرض الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واضافه الى الايمان والاقرار لمعرفته وامر بالجهاد عليه والدعاء اليه، قال تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق»(13).
وفرض قتال المعاندين على الحق والمعتدين عليه وعلى من آمن به وصدق بكتابه حتى يعود اليه ويفيء كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يؤمن به ويعترف بشرائعه قال تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين)(14).
فهذا عهد الله اليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان فرضاً من الله واجباً وحكماً لازماً واين من الله تذهبون؟ وانى تؤفكون؟
وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً واظهروا الفساد وامتلأت الارض ظلماً وجوراً فليس للناس ملجأ ولا لهم عند اعداءهم حسن رجاء فعسى ان تكونوا معاشر اخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وانصار الكتاب والسنة القائميين بحق المظلومين من ذرية النبيين فكونوا عندالله بمنزلة من جاهد من المرسلين ونصر الله مع النبيين...
واعلموا معاشر البربر اني اتيتكم وانا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور كثر واتره وجده واهلوه فاجيبوا داعي الله فقد دعاكم الى الله فان الله عز وجل يقول: «ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء(15) اعذنا الله واياكم من الضلال واهدنا واياكم الى سبيل الرشاد.
وانا ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله وعلي بن ابي طالب جدّاي وحمزه سيدالشهداء وجعفر الطيار في الجنة عمّاي وخديجة الصديقة وفاطمة بنت اسد الشفيقة جدّتاي وفاطمة بنت رسول (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنت الحسين سيد ذراري النبيين امّاي والحسن والحسين ابنا رسول (صلى الله عليه وآله) ابوي ومحمد وابراهيم ابنا عبدالله المهدي والزاكي أخوي.
هذه دعوتي العادلة غير الجائرة فمن اجابني فله ما لي وعليه ما عليّ ومن أبى فحظه أخطأ وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة اني لم اسفك له دماً ولا استحلل محرماً ولا مالاً واستشهدك يا اكبر الشاهدين واستشهد جبريل وميكائيل اني اول من أجاب واناب اللهم لبيك مزجي السحاب وهازم الاحزاب مصير الجبال سرابا بعد ان كانت صماً صلاباً اسألك النصر لولد نبيك انك على كل شىء قدير والسلام وصلى الله على محمد وآله(16).