نص رسالته لأهل مصر وخروجه في المغرب]
[36] حدثني أبو العباس الحسني رضي الله عنه بإسناده عن إدريس بن عبد الله بن الحسن عليهم السلام .
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعـد فالحمد لله رب العالمين، لاشريك له الحي القيوم، والسلام على جميع المرسلين، وعلى من اتبعهم، وآمن بهم أجمعين.
أيها الناس إن الله ابتعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة واختصه بالرسالة، وحباه بالوحي، فصدع بأمر الله وأثبت حجته، وأظهر دعوته، وإن الله جل ثناؤه خصنا بولادته وجعل فينا ميراثه ووعده فينا وعداً سيفي له به، فقبضه الله إليه محموداً لاحجة لأحد على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم : ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[الأنعام:149]، فخلّفه الله جل ثناؤه فينا بأحسن الخلافه، غذانا بنعمته صغاراً، وأكرمنا بطاعته كباراً، وجعلنا الدعاة إلى العدل، القائمين بالقسط المجانبين للظلم، ولم نمل مذ وقع الجور طرفة عين من نصحنا لأمتنا، والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه، فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا، وانتهكوا حرمتنا، وأيتموا صغيرنا، وقتلوا كبيرنا، وأثكلوا نساءنا، وحملونا على الخشب، وتهادوا رؤوسنا على الأطباق، فلم نكل ولم نضعف، بل نرى ذلك تحفة من ربنا «جل ثناؤه»، وكرامة أكرمنا بها، فمضت بذلك الدهور، واشتملت عليه الأمور، وربى منا عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، حتى ملك الزنديق أبو الدوانيق، وقد قال رسول الله: ((ويل لقريش من زنديقها، يحدث أحداثاً يغير دينها، ويهتك ستورها، ويهدم قصورها، ويذهب سرورها)).
فسام أمتنا الخسف، ومنعهم النَصَفْ، وألبسهم الذل، وأشعرهم الفقر، وأُخِذَ أبي عبد الله بن الحسن شيخ المسلمين وزين المؤمنين وابن سيد النبيين صلى الله عليه وآله وسلم في بضعة عشر رجلاً من أهل بيتي وأعمامي صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته: منهم علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المجتهد المخبت، وأبو الحسين المستشهد بفخ بالأسر صلوات الله ورحمته وبركاته عليهم أهل البيت إنه حميد مجيد، فأخرج بهم أبو الدوانيق الزنديق فطين عليهم بيتاً حتىقتلهم بالجوع.
وبعث أخي محمد بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه ابنه علياً إليكم، فخرج بمصر فأخذ وأوثق وبُعِثَ إليه ففلق رأسه بعمود حديد.
ثم قتل أخواي محمد وإبراهيم صلوات الله عليهما العابدين العالمين المجتهدين الذائدين عن محارم الله، شريا والله أنفسهما لله جل ثناؤه فنصب رأسيهما في مساجد الله على الرماح حتى قصمه قاصم الجبارين، ثم ملك بعده ابنه الضال، فانتهك الحرمات، واتبع الشهوات، واتخذ القينات، وحكم بالهوى، واستشار الإماء ولعبت به الدنيا، وزعم أنه المهدي الذي بشرت به الأنبياء، فضيق على ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطردهم وكفل من ظهر منهم وعرضهم طرفي النهار حتى أن الرجل ليموت من ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما يخرج به حتى يتغير.
ثم بعث إليَّ وقيدني وأمر بقتلي، فقصمه قاصم الجبارين وجرت عليه سنة الظالمين ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾[الحج:11].
ثم ملك بعده ابنه الفاسق في دين الله، فسار بما لاتبلغه الصفة من الجرأة على رب العالمين، ثم بعث ليأخذ نفراً منا فيضرب أعناقهم بين قبر رسول الله ومنبره، فكان من ذلك ما لا أظنه إلاّ قد بلغ كل مسلم.
ثم قتل أخي سليمان بن عبد الله، وقتل ابن عمي الحسين بن علي صلوات الله عليه في حرم الله، وذبح ابن أخي الحسن بن محمد بن عبد الله في حرم الله بعدما أُعطِيَ أمان الله، وأنا ابن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وأذكركم الله جل ثناؤه، وموقفكم بين يديه غداً وفزعكم «إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسألونه الشفاعة وورود الحوض»، وإن تنصروا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وتحفظوه في عترته، فوالله لا يشرب من حوضه ولا ينال شفاعته من حادنا وقتلنا وجهد في هلاكنا، هذا في كلام طويل دعاهم
المصابيح للإمام
أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمان بن داوود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.