ديوان الأشراف الأدارسة

ديوان الأشراف الأدارسة (http://aladdarssah.com/index.php)
-   الإقتراحات والآراء والشكاوي (http://aladdarssah.com/forumdisplay.php?f=11)
-   -   وجهة نظر حول كيفية مساهمة الأدارسة في الحضارة الإنسانية (http://aladdarssah.com/showthread.php?t=265)

بن مصباح حسام 12-06-2008 04:36 PM

وجهة نظر حول كيفية مساهمة الأدارسة في الحضارة الإنسانية
 
بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركته

أما بعد، أخواتي و أبناء عمومتي الأعزاء، إن واقع أمتنا الإسلامية في حالة لا نحسد عليه، إن كان هناك ركب للأمم فإن مكان أمتنا للأسف في مؤخرته، إن لم نقل بأنها ليست حتى من الراكبات.

جميل أن نهتم بتعريف الأنساب و صلة الرحم، لكن لا نجعله هدفا لنا في حد ذاته. و إنما ليكون هدفنا نحن الأدارسة التفكير و البحث عن السبل و الكيفية لترك بصماتنا في هذه الحياة كما فعل أسلافنا.

فلنجعل التاريخ يذكرنا بعد مرور نصب من الزمن، و يقول في سنة 1429 هـ كانت هناك مجموعة من أحفاد النبي عليه الصلاة و السلام قد استغلوا نسبهم الشريف في مصلحة الأمة الإسلامية و ليس في مصلحتهم الشخصية. و كانوا قدوة، و بأعمالهم صنعوا ما لم يستطيع صنعه غيرهم.

ليس من لقب نفسه بالشريف، يكون حتما شريفا و لو حتى كان من سلالة الرسول صلى الله عليه و سلم و لكن الشريف هو ذلك المسلم التقي الصالح لأمته، كما قال جدنا علي كرم الله وجهه:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ
فليس يغني الحسيب نسبته بلا لسانٍ له ولا أدب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي

مسؤوليتنا كبيرة و واجبنا أكبر، فنحن لسنا كعامة الناس، فلنسأل أنفسنا ما هي مهمتنا في هذه الحياة و في هذا العصر بذات؟ عصر الانحطاط و الهزائم.

لنجعل لحياتنا حصيلة، ما هي درجة مساهمتنا في الحضارة الإنسانية؟ لا شيء.

صحيحا، ان الله رزقنا و جعلنا من بين الأمم الغنية، و لكن ماذا كان رد فعلنا؟ أصبحنا أمتا تأكل مما لا تزرع و تلبس مما لا تنسج، أصبحنا متطفلين على الإنسانية. نعم إنه حال واقعنا، إن لم ندرك أنفسنا فإننا من مهلكين حتما.

لو مددنا بصرنا عبر الزمن، 20 سنة مستقبلا، يكون مصدر رزقنا قد نفد (البترول) و ترانا أصبحنا تائهين و متوحشين، النفس و المال و العرض مباح، القوي يأكل الضعيف، باختصار عصر الجاهلية من جديد. لماذا؟ ببساطة لأننا لم نعد أنفسنا لهذا اليوم.

سؤال يطرح نفسه بنفسه كيف يمكننا تجنب ذلك المصير؟
الجواب حسب رأي المتواضع، يكون في الإنسان، يجب أن نصب جل اهتمامنا على تكوينه و إعداده لمواجهة مصيرنا.

أبناء عمومتي الأدارسة الأعزاء، لنحدد لأنفسنا مهام، فلنجعل مخطط على مدى 20 سنة و يشمل مشروعان:

أ/ المشروع الأول :إعداد جيل من العلماء لخدمة الأمة الإسلامية.
ب/ المشروع الثاني :استعداد الأمة الإسلامية إلى ما بعد البترول.

أ/ إعداد جيل من العلماء لخدمة الأمة الإسلامية:

تعجبني هذه الأبيات الشعرية لجدنا علي كرم الله وجهه :

العلم زين فكن للعلم مكتسباً وَكُنْ لَهُ طالبا ما عشْتَ مُقْتَبِسا
اركن إليه وثق بالله واغنَ به وكن حليماً رزين العقل محترسا
لا تأثمن فاما كنت منهمكا في العلم يوما و إما كنت منغمسا
وَكُنْ فَتًى ماسكا مَحْضَ التُّقى ورعا للدِّيْنِ مُغْتَنِما لِلْعِلْمِ مُفْتَرسا
فمن تخلقَ بالآداب ظلَّ بها رَئِيْسَ قَوْمٍ إِذَا ما فارق الرؤسا
و اعلم هديت بأن العلم خير صفا أضحى لطالبه من فضله سلسا

طلب العلم، هو مفتاح النجاح. ليكن هذا الديوان منبر يخرج منه جيل من العلماء، فلنجعل همنا في طلب العلم.

العلم، كيف لنا أن نصل إليه؟ و كيف نكوَن نخبة من العلماء؟ التي بها نبني مجد أمتنا.

فلنبدأ بوضع الأساس لبنائنا، و هذا يكون على مستوى كل عضو من أعضاء الأسرة الكبيرة ''الأدارسة'' و منطقة تواجده و إمكانياته. و نفتح باب في هذا الديوان و نسمه ''إعداد جيل من العلماء لخدمة الأمة الإسلامية ''.

أهدافه:
• اعداد جيل من العلماء في مختلف العلوم الدينية و الدنيوية، و حبذا لو يكون الأدارسة من بين هذا الجيل.
• المدة الزمنية لإعداد هذا الجيل نجعلها لا تتعد 20 سنة.
• تطبيق على الواقع بما توصل إليه علماءنا وذلك بعد عملية تصفية للمواضع و ترك إلا الأهم أو ترتيب حسب الأولويات.



طريقة العمل:

1/الرصد:

- رصد معلومات حول المدارس أو الثانويات أو الجامعات ذات كفاءة عالية؛
- رصد النشء ذو مستوى عال و له شغف في طلب العلم و هو لا حول و قوة له. نبدأ بأبنائنا أو أبناء أخواتنا أو أبناء أرحامنا أو جيراننا أو أبناء بلدتنا إلى غير ذلك؛
- رصد مجال تطبيق على واقع أمتنا (الطاقة، المياه، الزراعة، الصناعة، .........)؛
- رصد الأشخاص أو هيئات ذوي قدرة على تكفل بالطلبة العلم؛
- رصد نوعية المساعدات:
 تكفل الكامل بالطالب (الإيواء، دفع مستحقات الدراسة، توفير الكتب، توفير أدوات المدرسية،..........)؛
 التكفل الجزئي بالطالب؛
 التكفل بأبحاث التخرج في الميادين ألتي تعود بالفائدة على الأمة.

2/ التنسيق في ما بين مختلف هذه النقاط.

3/ متابعة الطالب من الطور الأول إلى أخر مرحلة من التعليم و إذا افترضنا بان هناك نهاية في طلب العلم.

4/ تجسيد الأبحاث على الواقع المعاش.


ب/ استعداد الأمة الإسلامية إلى ما بعد البترول:

نعلم جميعا بان الله قد أكرمنا و أنعم علينا نحن المسلمين بخيراته و من ذلك البترول، و هو للأسف في طريق الزوال، و كما نعلم كذلك بإن الأمة الإسلامية ستواجه بعد بضع سنوات مشكلة توفير الطاقة. فما هو البديل؟ هل نحن مستعدون لمواجهة مصيرنا؟

فمن رحمات الله علينا و نعامه، أنه أوجدنا في منطقة أكثر مناطق من العالم حيث الشمس متوفرة على طول السنة و بكثافة كثيرة، الشمس إن كانت في الماضي نقمة فهي في الحاضر نعمة. بحيث تمثل اليوم الطاقة البديلة لما بعد البترول في مختلف تطبيقاتها.

لا تستعمل الطاقة الشمسية في الأماكن المعزولة فقط ( أماكن لا توجد بها الشبكة الكهربائية).
عكس ذلك، فإننا نجدها في كل مكان ( المدن، الطرقات، مساكن ريفية، جماعية أو فردية، الاتصالات، إشارات البحرية، مطارات، موانئ، مضخات المياه، التسخين المياه، التبريد، تحليه المياه).

الطاقة الشمسية هي التكنولوجية الجديدة التي باستغلالها يتم تهيئة المحيط و حماية البيئة و بها نواجه :

- نهاية الحتمية للبترول؛
- الطلب المتزايد لاحتياجاتنا للطاقية؛
- النمو الديموغرافي و الاقتصادي؛
- مكافحة التلوث و التصحر و فقدان الغابات.

الطاقة الشمسية هي :

- منبع لا ينفذ؛
- غير ملوثة؛
- اقتصادية؛
- متجددة، محلية، غير مركزية؛
- تتلاءم بسهولة مع المبنى أو المنشآت التي ترّكب فيها.

معطيات المتوفرة في الوطن العربي و الإسلامي هي:

- مساحات شاسعة من الأراضي؛
- عرض السنوي ''الشمسي الحراري'' يقدر بـ 169,44 بليون وات ساعي/سنة؛
- عرض السنوي ''الشمسي الضوء الفولطي'' يقدر بـ 13,9 بليون وات ساعي/سنة؛
- عامل بشري (الأدمغة)، نبدأ بالمتوفر انتظارا الجيل الصاعد و بما يحمل معه من العلم؛
- حاليا الموارد المالية.

و أقترح ان نستقطب جميع الأفكار و النظريات و الخبرات و الاقتراحات و الحلول في باب من هذا الديوان و يكون تحت إسم ''استعداد الأمة الإسلامية إلى ما بعد البترول''.

الوقت يدهمنا بسرعة و نحن قاعدون و نائمون لا نتحرك لاستعداد لمواجهة مصيرنا المحتوم (الزوال). نعم انه مصير المحتوم إن لم نعد و نتحصن فانه سيدهمنا و نمحى من هذه المعمورة. و الحمد لله فلازال هناك أمامنا بعض من الوقت، لنغتنمه قبل فوات الأوان.

و ختاما، لنحدد لأنفسنا سنة 1449 هـ تاريخ الوصول، انشأ الله، بهذان المشروعان إلى ما نصبو إليه. و هكذا نحن الأدارسة يكون مرورنا على هذا الكوكب إيجابيا و ليس كمرور عابر سبيل. و بأعمالنا نكون قد شاركنا في بناء الحضارة الإنسانية.

الشريف إيهاب التركي الشاذلي الإدريسي 13-06-2008 08:10 AM

[align=right]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

ابن العم الغالي الشريف بن مصباح حسام الموقر

شكراً على هذا الموضوع الرائع وأحيّ فيك هذه الروح العالية الوثابة لما فيه خير البشرية جمعاء والمسلمين خاصة عزيزي هناك أمران:
1.الحضارة: هي مجموع الأفكار والمفاهيم التي تنبثق من عقيدة معينة يترتب عليها طريقة معينة
وسلوك معين يمارسه الإنسان في هذه الحياة.
فنحن المسلمون عقيدتنا هي (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)
أي أن مصدر التشريع الذي يعالج حاجاتنا العضوية وغرائزنا هو الله سبحانه وتعالى لأنه هو الذي خلقنا وهو
أعلم بما يصلح لنا ويجلب لنا السعادة والاستقرار في حياتنا الدنيا.
وهذا التشريع الذي من عند الله هو في الأساس أفكار تصبح مفاهيم حينما تطبق في واقع الحياة العملية كنظام
يصبح سلوكاً بناءً عليها يشبع الإنسان حاجاتهُ وغرائزه.

2.المدنية: هي جميع الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة الإنسانية وما تحتاج إليه
من علم لتعلمها وتطويرها وصناعة لإيجادها كشيء ملموس محسوس.

فما طرحته عزيزي هو المدنية وليس الحضارة.
فالمدنية لا توجد إلا إذا وجدت حضارة تتوافق مع فطرة الإنسان التي فطرهُ اللهُ عليها فالعرب عندما أصبحوا أصحاب حضارة إسلامية استطاعوا إيجاد المدنية المتقدمة في ذلك الزمان فكانت الدولة الإسلامية زهرة الدنيا التي كان يستقي منها العالم في ذلك الزمان رحيقها.[/align]

رائـد الدباغ 14-06-2008 07:03 AM

باركك الله اخي الحبيب

وجزاك الله خيرا مديرنا الحبيب

وأوافقك الرأي

تحيتـــ ي لكما من القلب

بن مصباح حسام 20-06-2008 05:15 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

ابن العم الغالي و العزيز إيهاب التركي الشاذلي الإدريسي

أشكرك كثيرا على تعقيبك على الموضوع و منك نستفيد. نعم، نحن المسلمون و الحمد لله و عقيدتنا هي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله و مصدر التشريع هو الله سبحانه وتعالى من خلال كتابه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، وذلك للوصول إلى مبتغى كل مسلم (السعادة و الاستقرار)، هذا لا جدال فيه.

رغم أن اختصاصي هو في الهندسة الكهروميكانكية، الا اني اعترف لك انك جعلتني ابحث و أتعمق فيما توصّل إليه أهل علم الاجتماع. و ادعوك لتصفح معي ما استنتجته.


إشكالية المفاهيم بين الحضارة و المدنية

نسمع دائما بمصطلحات عديدة ومتنوعة في شتى المجالات الحياتية المختلفة سواء كانت على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفني أو الديني... و يزداد الجدل حدة بين الدارسين حين يتعلق الأمر بالحضارة العربية و الإسلامية ومن تلك المصطلحات مصطلح الحضارة والمدنية. وقد تناول الفلاسفة والمتكلمين والمثقفين تلك المصطلحات وأخذ كل متكلم يدلي بدلوه في تعريف تلك المصطلحات ولقد تعود أصحاب الرأي والفكر على الجمع بين مصطلحي الحضارة والمدنية، وغالبا دون تفريق بينهما في المعنى، وان كان بعضهم قد أبرز الاختلاف في مدلول كل منهما عن الأخر و في هذا الموضوع اردت أن ابين مفهوم الحضارة و المدنية و الفرق بين كل من المصطلحين، فما التطابق والاختلاف بينهما؟

الحضارة:
يعتبر مفهوم الحضارة من أكثر المفاهيم صعوبة في التحديد، وذلك بفعل التطور الدلالي الذي حظي به عبر تاريخ الحضارة نفسها، ولعل من أهم أسباب الاختلاف في تعريفها أيضًا ما يرجع إلى الخلفية الفكرية لصاحب كل تعريف، والمنظور الذي يقدم من خلاله تعريفه، وكذلك تكوينه العلمي وزاده المعرفي؛ فالمؤرخ، والأنثربولوجي، وعالم الاجتماع، واللغوي، وعالم النفس، كلٌّ يعرفها انطلاقًا من أرضيته الفلسفية ومنظوره المعرفي الذي ينظم أفكاره. و نتيجة لحيوية التنقيب والبحث في حقل الدراسات الحضارية، ظهرت تعريفات متعددة ومتنوعة لظاهرة الحضارة. كما أن هناك تعريفات ولدت ضمن إطار الوعي العقائدي الغربي وأخرى صيغت استجابة للوعي العقائدي التوحيدي.
ولذلك نحاول تناول مفهوم الحضارة من الوجهة الاصطلاحي دون التطرق إلى الوجهة اللغوية، وللتمكن من تحديده بما يجعل منه واضحًا وقابلاً للتعامل معه ضمن شبكة المفاهيم المتعلق بمنظور الدراسة الذي نحاول صياغته.

مصطلح"الحضارة" في اللغات الأوربية، واللغة الإنجليزية بخاصة، فمشتقة من اللاتينية، فلفظ "Civilization" لغويًّا يرجع إلى الجذر "civites" بمعنى مدينة، و"Civis" بمعنى ساكن المدينة، أو "civilis" بمعنى مدني أو ما يتعلق بساكن المدينة (4).كما أنها تقرن أحيانا بمصطلح "Culture" التي في معناها اللاتيني تفيد الإنماء والحرث، واستمر مفهومها في حراثة الأرض وتنميتها، إلى نهاية القرن الثامن عشر، حيث كما يذكر معجم أكسفورد أنها اكتسبت معنى يشير إلى المكاسب العقلية والأدبية والذوقية، وتقابل في العربية مصطلح ثقافة.

فالمصطلح نفسه لم يأخذ معناه المعروف لدينا اليوم عن الحضارة في اللغات الأوربية، إلا مع القرن الثامن عشر، باعتبار ما اقترن به من مصطلحات دلالية أخرى، وأقرب المعاني اللغوية المستعملة اليوم أن الحضارة: "مرحلة متقدمة من النمو الفكري والثقافي والمادي في المجتمع الإنساني"، أو هي: "مرحلة متقدمة من التقدم الاجتماعي الإنساني، أو هي ثقافة وطريقة حياة شعب أو أمة أو فترة من مراحل التطور في مجتمع منظم".

فمصطلح الحضارة في اللاتينية واللغات الأوربية أيضا يتضمن معنى المدينة، والاستقرار، والتنظيم الذي تقتضيه حياة المدينة، وكأن هناك تشابهًا في المعنيين اللغويين في كل من العربية واللاتينية، باعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه حسب التعبير الخلدوني، أي أن النـزوع إلى التجمع والتنظيم والانتظام فطرة إنسانية تحكم السلوك الإنساني في إطاره الجماعي، وأن التحضر مطلب إنساني متصل بالسعي الإنساني في مختلف العصور.

أما من الناحية الاصطلاحية؛ فإن للحضارة تعاريف مختلفة - كما سبقت الإشارة- فان ابن خلدون نظر الى تطور المجتمع البشري من خلال مروره في اربع حالات تتدرج من البساطة الى التعقيد وهي حالة البداوة وحالة الملك وحالة الحضارة وحالة التمدن.فمفهوم الحضارة اذن عند ابن خلدون هو ذلك النمط من الحياة المناقض للبداوة والمتصف بالاستقرار في الحضر اي المدن، والقرى وما نشا من زراعة للارض وانتظام في الادارة والصناعات والعلوم ومكاسب العيش ومن وسائل الرفاه الاخرى.

عند ابن خلدون الحضارة هي سر الله في وجود العمران والعلم، وإذا فقدت شروطها فإنها تنتقل إلى مكان آخر تتوفر فيه شروطها الموضوعية، ولعل تعبير ابن خلدون عن الحضارة بالسر، نستشف منه معنى القانون الذي يتحكم في انتقالها.

وإذا انتقلنا إلى العالم الغربي نجد "ديورانت" يعرفها بأنها: "نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإن الحضارة تتألف من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق".
ويعرفها تايلور بأنها: "درجة من التقدم الثقافي، تكون فيها الفنون والعلوم والحياة السياسية في درجة متقدمة".

والملاحظ على تعريف كل من ديورنت وتايلور أن الأول ينظر إلى الحضارة من جهتين؛ أنها نظام اجتماعي يقدم للإنسان القدرة على تحقيق إنجازات ثقافية، ومن جهة أخرى أنها مرحلة من مراحل التقدم البشري تكون فيها الحياة الإنسانية تتجه نحو التنظيم لما تتوفر لها مجموعة من العناصر، أما الثاني فإنه يعرف الحضارة على اعتبار أنها درجة من التقدم الثقافي لها نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو في تعريفه هذا يتجه إلى تعريف الحضارة بالنظر إلى غايتها التي تحققها في المجتمع.
كما يعرفها مالك بن نبي، وذلك من عدة جوانب؛ فهو تارة يعرفها من الجانب البنيوي (مركّزًا على بنية الحضارة وعناصر تركيبها)، وتارة من الجانب الوظيفي (مركزا على وظيفة الحضارة) باعتبارها تؤدي دورًا في المجتمع، وتارة يعرفها من جانب غايتها من حيث إنها غاية الحركة الاجتماعية في التاريخ. وبعبارة أخرى فهو يعطي التعريف التحليلي للحضارة الذي يبيّن كيفية تركيب الحضارة في عناصرها الأولية، ويعطي تعريفًا للحضارة من خلال دورها (وظيفتها) في التاريخ، كما يحدد حقيقتها الرسالية.
أما التعريف التحليلي؛ فإننا نجده يعرف الحضارة من الوجهة التحليلية (تحليل بنيتها) بالمعادلة الرياضية التالية: الحضارة= إنسان+تراب+وقت.

وفي ذلك يقول ابن نبي: "حضارة = إنسان+تراب+وقت، وتحت هذا الشكل تشير الصيغة إلى أن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت. فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل المشكلات الثلاثة من أساسها".
فابن نبي يجمل أي جهد أو منتج حضاري، في صورة هذا التفاعل الأولي بين عنصر الإنسان صاحب الجهد المنجز، وعنصر التراب بصنوفه التي هي مصدر الإنجاز المادي، وعنصر الزمن الذي هو شرط أساسي لأي عملية إنجازية يقوم بها الإنسان.

وباعتبار أن الحضارة إنجاز موجه في التاريخ؛ فإنه لا شك إنتاج لفكرة تطبع صبغتها على جهد الإنسان فتميزها في التاريخ، ولهذا فابن نبي لا يكتفي بهذه العناصر التركيبية الأولية للحضارة فقط، بل يضيف إليها الفكرة المركِّبَة؛ التي هي الفكرة الدينية (الدين)، مركِّب القيم الاجتماعية، و يقوم الدين بهذا الدور في حالته الناشئة، حالة انتشاره وحركته، عندما يعبر عن فكرة جماعية، أي لا يكون فكرة مجردة بعيدة عن صياغة همٍّ جماعي وأداءٍ اجتماعي مشتركٍ.

فالحضارة من هذه الوجهة التحليلية تقوم على عناصر الإنسان والتراب والزمن، في وجود شبكة من العلاقة الاجتماعية التي تشكل الميلاد الحقيقي للمجتمع في التاريخ وبداية إنجازه التاريخي على ضوء الفكرة الدينية.

أما التعريف الوظيفي فإن ابن نبي يقول بشأنه: "إن الحضارة يجب أن تحدد من وجهة نظر وظيفية، فهي مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين، أن يقدم لكل فرد من أفراده، في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور، أو ذاك من أطوار نموه". فهي ذلك العمل الاجتماعي الذي يقوم به المجتمع في سبيل توفير الضمانات التي تؤهل الفرد لممارسة دوره في التاريخ.

فمن وجهة الوظيفة التي تؤديها الحضارة فإن ابن نبي ينظر إلى الحضارة بمقدار ما تقدمه من الضمانات للفرد، تلك الضمانات التي يقدمها المجتمع لأي فرد من أفراده في مرحلة تاريخية معينة من مولده إلى مماته. أي إلى أن ينقضي وجوده الاجتماعي. هذه الضمانات هي بمثابة شروط ذات وجهتين مادية ومعنوية. وبعبارة أخرى: إنها في الواقع جملة العوامل المعنويّة والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره. فالفرد يحقق ذاته بفضل قدرة وإرادة تنبعان من المجتمع الذي هو جزء فيه، فالحضارة أداء اجتماعي لمجتمع ما في التاريخ.
فإذا كان مجتمع معين يستطيع في مرحلة تاريخية معينة تقديم وتوفير مثل هذه الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح للفرد أن يمارس دوره الطبيعي في المجتمع؛ فإن المجتمع يعيش حالة حضارة. وكأن ابن نبي من هذه الزاوية يركز على الحقيقة الموضوعية التي تلتمس الحضارة في أثرها في الواقع، وتهتم بالمنظور الاجتماعي (السوسيولوجي) للظاهرة الحضارية.

ومن هذه الجهة (الوظيفية)؛ فإن الحضارة هي:

أولاً: شروط أخلاقية ومادية وهذا يجعل الحضارة خاضعة للتوازن الذي يحفظها من الانحراف، فإذا اختل جانب انحرفت الحضارة من هذا الجانب المختل.

ثانياً: عمل اجتماعي، وهذا يشير إلى أهمية المجتمع وأسبقيته في عملية الإنجاز الحضاري، وذلك من خلال تركيز ابن نبي على أهمية وجود عالم شبكة العلاقات الاجتماعية باعتبار أن الحضارة إنجاز يقوم به المجتمع بمجموع أفراده، ويتم في إطاره وبإرادته وإمكانه، حتى إنه يمكن القول: إن الحضارة هي عمل شبكة العلاقات الاجتماعية ذاتها.

وثالثاً: أن الإنسان (الفرد) يأخذ أهمية خاصة من خلال اعتبار الحضارة من الوجهة الوظيفية عملية تقديم للضمانات لهذا الفرد حتى يتمكن من ممارسة دوره المنوط به اجتماعيًّا.

ورابعاً: أن الحضارة عبارة عن ضمانات إذا نظرنا إليها من هذه الوجهة، وهي ضمانات تتيح للطاقات الفردية والاجتماعية أن تنطلق وتمكن الفرد من التطور ماديًّا ومعنويًّا.

كما أن الحضارة خامساً: عبارة عن أطوار اجتماعية يمر بها المجتمع، وفي هذا إشارة إلى الظاهرة الدورية التي تمر بها الحضارة.
يتبع

بن مصباح حسام 20-06-2008 05:16 PM

المدنية :

يختلف الباحثون حول تحديد الجذر اللغوي لكلمة "المدنية" فيرجعها البعض إلى "مدن" بمعنى أقام في المكان، ويرجعها آخرون إلى "دان" وهي جذر مفهوم الدين وتعني خضع وأطاع، و أيًّا كان مصدرها فقد اقترن اللفظ بتأسيس الدولة الإسلامية، وارتبط بمفهوم الدين بما يعنيه من دلالات الطاعة والخضوع والسياسة، ولقد ارتبطت المدينة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنظام مجتمعي حياتي وتنظيمي جديد في الجزيرة العربية ارتكز على القيم الإسلامية والمبادئ التنظيمية المنبثقة عنها.

وعلى خلاف التجربة الغربية، فالمدينة في الخبرة الإسلامية هي نتيجة لوجود قيم التهذيب والعلاقات الاجتماعية والسياسية في الدين الإسلامي، وليست سببًا فيها. ومن ناحية ثانية، فقد بدأت المدينة في الخبرة الإسلامية مما انتهت عليه المدينة في التجربة الأوروبية "مرحلة المتروبوليتان"، أي المدينة التي تتبعها مدن أخرى وترتبط بها) فقد كانت المدن الإسلامية جميعها حواضر راقية تتبعها مئات المدن الأخرى المنتشرة في الإمبراطورية الإسلامية، على سبيل المثال: كانت المدينة المنورة ثم الكوفة وقرطبة والآستانة مراكز للإمبراطورية الإسلامية على مر تاريخها.

ومن ناحية ثالثة، إذا كان تطور المدينة الأوروبية المعاصرة يعد دليلاً على الرقي الإنساني -طبقًا للفكر الغربي- فإن ابن خلدون اعتبر ذات الصورة من رفاهية العيش والاستهلاك طورًا تحدث فيه اختلالات في تطبيق منظومة القيم الإسلامية والضوابط التي تحدد حدود الإنسان، ومنهج تفاعله في الكون، وبالتالي تنافي مفهوم استخلاف الإنسان في الأرض، واعتبر أن مؤشر ذلك هو سكنى الحضر والمدن -مرحلة الحضارة-، وبالتالي فهي لديه نهاية العمران وخروجه إلى الفساد ونهاية الشر والبعد عن الخير.

يُعد هذا الاتجاه هو الأكثر شيوعًا في الكتابات العربية ابتداء من الربع الثاني من القرن العشرين، وبملاحظة التعريفات المقدمة لمفهوم "الحضارة" نلاحظ أنها هي نفسها التعريفات التي وضعت إزاء "المدنية"، فالخلاف لفظي والمحتوى واحد وهو المضمون الأوروبي. فعادة، يربط مفهوم الحضارة إما بالوسائل التكنولوجية الحديثة، أو بالعلوم والمعارف والفنون السائدة في أوروبا، أي خلاصة التطور الأوروبي الحالي. و ينطلق هؤلاء من أن الحضارة هي جملة الظواهر الاجتماعية ذات الطابع المادي والعلمي والفني الموجود في المجتمع، وأنها تمثل المرحلة الراقية في التطور الإنساني.

بالنظر إلى تطور المفهوم في الكتابات العربية في العلوم الاجتماعية لوحظ أنها تخرج عن ذات الدلالات للمفهوم في الفكر الأوروبي؛ الذي يوحي بعالمية العلم والمنهج والمفاهيم وبالتالي الحضارة.

التطابق والاختلاف بين الحضارة والمدنية :

في بدايات القرن العشرين، ومع دخول الاستعمار الأوروبي إلى الدول العربية، انتقل لفظ "Civilization" إلى القاموس العربي، وقد حدث اضطراب واضح في المفاهيم لعدم وضوح تعريفات ألفاظ: "ثقافة" و"حضارة" و"مدنية" خاصة مع وجود المفاهيم الثلاثة في اللغة العربية على حين لا يوجد سوى مفهومين في اللغة الإنجليزية، مما أدى إلى انقسام اتجاهات ترجمة المصطلح إلى اتجاهين:
على الرغم من عدم شيوع هذه الترجمة لمفهوم "Civilization" إلا أنها أكثر دقة في اختيار اللفظ العربي، وقد بدأ هذا الاتجاه منذ أوائل القرن التاسع عشر، حيث تُرجم في عهد محمد علي باشا كتاب "إتحاف الملوك الألباب بسلوك التمدن في أوروبا"، كما استخدم رفاعة الطهطاوي في كتابه "مناهج الألباب المصرية" مفهوم التمدن في التعبير عن مضمون المفهوم الأوروبي ومشيرًا لوجود بُعد التمدن في الدين والشريعة.

وظل هذا الاستخدام لمفهوم المدنية سائدًا حتى وقت قريب وبالدلالات والمعاني نفسها التي تمثل بها مفهوم "Civilization"، فقد استخدم المفهوم عام 1936م على أنه "حالة من الثقافة الاجتماعية تمتاز بارتقاء نسبي في الفنون والعلوم وتدبير الملك"، وكذلك أطلق عام 1957م على الظواهر المادية في حياة المجتمع مقابل إطلاق لفظ الحضارة على "Culture"، قاصدًا الظواهر الثقافية والمعنوية في هذه الحياة، حيث المدنية تنقل وتورث، بينما الحضارة "Culture" إنتاج مستقل يصعب اقتباسها ونشرها.
و تضاربت الآراء حول معنى الحضارة والمدنية فلا يوجد معنى واحد لها وحتى في العلوم الاجتماعية نفسها لا يوجد اتفاق بين العلماء على معان لهذه الالفاظ.ومع كل هذا نستطيع اذا ما استعرضنا المعاني المختلفة لهذه المصطلحات في العلوم الاجتماعية ان نعطيها مفهومين:

المفهوم الأول :

وهو الاكثر اهمية ، هو ان المدنية بحد ذاتها ماهي الا شكل من اشكال الحضارة وفي طيها نجد ثلاثة اشكال لاستخدام كلمة مدنية:
• استخدام كلمتي حضارة ومدنية بمعنى واحد أي كمرادفين؛
• المدنية هي الحضارة حين تتعقد هذه وتتميز بخصائص معينة؛
• المدنية هي الحضارة اذا ما وصلت إلى درجة واضحة من الرقي و أمكن قياسها بمقاييس خاصة.

المفهوم الثاني:

ويستدل على مقابلة المدنية بالحضارة ، فالحضارة تتجرد حتى تصبح معبرة عن مجرد أفكار ومبتدعات إنسانية متعلقة بالأساطير والدين والفن و الأدب، في حين ان المدنية تدل على المبتدعات الإنشائية المتعلقة بالعلوم و التكنولوجية.

بعد هذا بدأت مرحلة جديدة في استخدام اللفظين ففريق من العلماء يذهب قائلا إلى أن المدنية شكل من أشكال الحضارة يختلف نوعاً وكيفاً عن الأشكال الأخرى وهذا المفهوم لازال قائماً حتى يومنا هذا وهذا بطبيعة الحال يرجع إلى القرن الثامن عشر الميلادي حين كان العلماء متأثرين بما أحدثته الاكتشافات العلمية في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي من تقدم وتطور في مجال الحياة الاجتماعية وكانت المدنية عندهم تعني التحضر والتمدن.

فالمدنية عند العلماء في القرنين السابع عشر والثامن عشر هي (مجموعة من القيم والنماذج التي تحققها الإنسانية في تطورها ومجموعة من الألفاظ الاجتماعية والأخلاقية والصناعية التي يحققها المجتمع للوصول إلى السعادة الإنسانية).
يتبع

بن مصباح حسام 20-06-2008 05:18 PM

وقد كان يعتقد بعض مفكري القرن التاسع عشر بأن المدنية خاصة بالمجتمعات الغربية حيث اعتبروا ان التقدم العلمي والتطور التكنولوجي هو معيار للتفقه بين الشعوب غير المتحضرة، ويمكننا الرد على هذا القول المتعصب والصيغة الفحوى جعل العلماء القرن التاسع عشر الميلادي ان يأخذوا مثل هذا المعيار وهو معيار العلم والتقدم التكنولوجي أكثر من اتخاذهم معايير أخلاقية كأساس لتلك التفرقة.

إن الحضارة تهتم بالنواحي الأخلاقية والروحية في حياة المجتمع إلى جانب المظاهر المدنية ويتعلق بتلك المعايير الخاصة بالمدنية اكتظاظ المدن المزدحمة بالسكان ووجود صناعات وحرف معقدة تقوم على التخصص الدقيق .هناك من يربط فكرة المدنية بتطور المجتمع العلمي والتكنولوجي وان كان لا ينكر ما لهذا التطور من اثر في المجال الحضاري أو الأخلاقي ففي انتشار العلم والتكنولوجيا مثلا ما يصرف الناس عن السحر والشعوذة وهناك علماء آخرون يفرقون بين المدنية والحضارة على أساس الكم والكيف.

وهناك فريق آخر من العلماء يفصلون مجال المدنية عن الحضارة نهائياً فهم يقصرون كلمة حضارة على النظم والمعايير التي تعبر عن حياة الجماعة الروحية كالدين و الأدب والفن والغايات الأخلاقية العليا.
أما المدنية فتنصب على المظاهر المادية والميكانيكية التي ابتدعها الإنسان في محاولة لضبط ظروف حياته.

فالتعرف الحديث للحضارة حسب البحوث الاجتماعية الحديثة تعني مستوى معيناً للحياة المادية والروحية والاجتماعية لمجتمع من المجتمعات أي يقصد بها مجموع الحياة التي يحياها شعب واحد او شعوب عدة بما تضم من تنظيم في الحكم وسبل في تحصيل المعاش وعلاقات اجتماعية ومعرفة نظرية وقواعد سلوكية وغيرها من المقومات التي تتمثل بها تلك الحياة.

إذا حاولنا استعمال كلمة (حضارة) للإشارة إلى مجتمع يسود فيه نظام خلقي وعقيدة مشتركة فان كلمة مدنية تتصف بالإقليمية وبالروح المحلية أو بالمفهوم المكاني الجغرافي وهي نتاج المادية والاقتصادية فالحضارة تستند على إذابة العناصر الغريبة والمختلفة بعملية من التمثيل الاجتماعي، وذلك بتحويل أنظمتها الدينية والخلقية إلى قوانين دنيوية ففي ظل الإمبراطوريات يعيش الناس من مختلف الأجناس والعناصر جنباً إلى جنب وبالنتيجة تسود حضارة واحدة في كافة المجتمعات.

ولا يمكن قيام الحضارة بوجود الانقسامات الطائفية والطبقية حيث ان نشأتها وتطورها وازدهارها يتطلب إجماعا في الرأي لان الإجماع في الرأي يعني وجود تفاهم عام.

و أهداف عامة ومصالح مشتركة حيث ان النقل الفكري عن طريق المساهمة والمشاركة في حياة عامة.
أخيرا يمكننا القول بان الحضارة ظاهرة فريدة اذ تختلف اختلافاً كبيراً عن العناصر المكونة للمدنية التي تباع وتشترى.

ثم إن مقومات المدنية لا تتصف بالقدسية والاحترام كمقومات الحضارة لان باستطاعة كل فرد ان يدخل في حوزته المدنية لغرض التمتع بفائدتها ومنفعتها.

إن الروابط التي تربط أفراد الحضارة بعضهم بالبعض الآخر هي المشاعر والالتزامات الخلقية والروحية و الإخلاص والولاء المتبادل بينما تعم في المدنية الروابط المحلية والتجارية.

إن مفهوم الحضارة و المدنية قد تمحور في الفكر الإسلامي حول قيم العقيدة الإسلامية، والتي مثلت الشرعة والمنهاج للممارسة الإسلامية و خير مثال على ذلك ما شاهدته المدينة المنورة في تكوين أول مجتمع إسلامي ، لم تكن في أوضاعها المدنية تتجاوز ما عليه قرية صغيرة في أي بلد من بلدان العالم الثالث اليوم. لكن ذلك المجتمع كان حسب المقاييس المدنية – وهي شبه عامة – يشكّل قمة التمدن والرقي الخلقي والسلوكي. ففي المجتمع المدني كانت الأهداف الكبرى واضحة، والغايات مشرقة ، وقد بلغ من وضوحها وسيطرتها على النفوس أن كان المسلمون –حتى الأطفال – يتسابقون إلى نيل شرف الشهادة على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ، وكان من المسلمين من يعمل ويجتهد ليتصدق ببعض أجره في المساء , وبلغ الناس من النقاء وحب التطهر أن اعترف أمام النبي صلى الله عليه وسلم بعض الرجال والنساء بارتكاب جرائمهم مطالبين بكل إصرار أن ينزل عليهم عقوبة الدنيا ولو كان بالرجم بالحجارة حتى الموت حتى يلقوا الله تعالى وهو عنهم راضي. و بلغت شفافية الحكم والدولة أن كان مرتب الخليفة لا يزيد على نفقة الطعام مع كسوة قليلة. و خلا ذلك المجتمع من مظاهر تسلط الدولة فالقضاء والسجون ورجال الشرطة، أمور هامشية إن لم تكن معدومة ومهما بيّنا درجة المدنية التي بلغها المجتمع الإسلامي آنذاك: فإن الحقائق تظل أكبر من الكلمات.

الخاتمة:

كما ترى أخي، اختلفت الرؤى والتصورات حول المصطلحين ''الحضارة'' و ''المدنية'' و تضاربت الأراء و تعددت وجهات النظر حولهم، فإذا دخلنا في جدال لا نستطيع الخروج منه برأي موحد حول تحديد مفهوم الحضارة و المدنية.

ان الاجتهادات تعكس في واقع الحال اختلافات في الرؤى والتصورات تكون مقبولة ما دامت لا تعارض عقيدتنا (أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) و ما شرّعه علينا الله سبحانه وتعالى في كتابه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم.

وخلاصة القول، المقصود من اقتراح وجهة نظري حول كيفية مساهمة الأدارسة في الحضارة الإنسانية، و ذلك من خلال عرضي لمشروعين، هو :

- أولا أن اقتسم مع إخوتي و أبناء عمومتي الأدارسة إحساسي بخيبة أمل من واقعنا و جمودنا و عدم تفاعلنا بما يحك للأمة الإسلامية من الدسائس و المكائد.

- ثانيا أن افتح باب للحوار و لإدلاء بالآراء و النظريات و الخبرات و الاقتراحات للخروج بحلول.

- ثالثا بان يكون ديواننا هذا منبع يعود بالفائدة على أمتنا و ذلك لبعث الوعي، في سياق المفهوم الحضاري الشامل للمدنية.

- رابعا بتحديد مسؤولياتنا نحوى أمتنا في البناء والسعي لدفع عملية النهضة والتقدم المعنوي والمادي من خلال إصلاح الفكر والسلوك والواقع.

والله الموفق للحق والصواب.

مصادر
----------------
[1] - معجم مقاييس اللغة
[2] - تجديد الوعي لبكار
[3] - المعجم الوجيز إعداد مجمع اللغة العربية في القاهرة .
[4] - مقدمة ابن خلدون 2/36.
[5] - حوارات من أجل المستقبل، الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن، منشورات الزمن، 1999، الدار البيضاء، المغرب
[6] - نصر محمد عارف، الحضارة-الثقافة- المدنية، سلسلة المفاهيم والمصطلحات، هيرندن، فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي
[7] - مالك بن نبي، شروط النهضة ، ترجمة: عبد الصبور شاهين،(دمشق: دار الفكر،1996
[8] - مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبد الصبور شاهين، الطبعة الثالثة، (دمشق: دار الفكر،1986
[9] - مالك بن نبي، فكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ،(دمشق: دار الفكر، 1981
[10] - مالك بن نبي، آفاق جزائرية، (القاهرة: مكتبة عمار،1971)،
[11] - مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، (دمشق:دار الفكر،1988[/align]


الساعة الآن 08:43 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir