تابع السياحة الصوفية:
ونقل صاحب"النجم الثاقب فيما لأولياء الله من المفاخر والمناقب" ,والامام العزفي والتادلي ,عن أبي الصبر أيوب الفهري ما جرى له مع أبي يعزى ؛اذ قام عنه ,وقد كانا جالسين يتحدثان ؛فسمعه وهو يطارد حيوانا إلى أن بعد,وبعد ذلك سمع لغطا كبيرا,يعلوه صوت أبي يعزى وهو يقول: من أين دخل الحرام إلى ماشيتي؟ ولما عاد أخبره بأن بعض المقيمين في الجوار كانوا سرقوا ماشية من الرعاة ؛ولما تتبعهم هؤلاء واستردوا ماشيتهم أكملوا منها ما نقص من ماشيتي ؛وهذا ما جعل الأسد يهاجم الماشية لأن بها ما ليس لي ؛فقمت اليه وطردته بعصاي.
ومما رواه أبو العباس العزفي ,وابن الزيات عن محمد ابن عبد الكريم أنه قال :"صلينا الجمعة مع الشيخ أبي يعزى ,في عام جدب ؛فلما خرج من المسجد(يقال أنه جامع الأندلس بفاس) تلقاه الناس وشكوا اليه احتباس المطر عنهم ,فنزع شاشية من العزف كانت فوق رأسه ورمى بها ,وأرسل دموعه ,وبقي يتضرع باللسان الزناتي (أمزغن,أمزغن)أي : ياضيفي وياسيدي ويامولاي ,هؤلاء ساداتي طلبوا مني أن أستسقي لهم ,وماقدري,قال: وما زال يبكي ويتضرع حتى غيمت السماء ,وأمطرت في الحين .قال محمد بن عبد الكريم: فنزعت نعلي ومشيت حافيا ,من كثرة الأمطار .
ولأبي يعزى كرامات عديدة ,متواترة, بعد مماته قال أبو العباس زروق
يحث على الزيارة:" لاسيما من ظهرت كراماته بع مماته,أكثر من حياته , كالشيخ أبي العباس السبتي ؛ ومن ظهرت كراماته في حياته ومماته سواء, كالشيخ أبي يعزى .واعلم أن هذا الامام بلغت كراماته حد التواتر"
مجاهداته:
التدرج في مراتب الولاية ,وظهور الكرامات لا يتأتى للصوفي الا بعد مجاهدة,وملازمة ؛يقول الشيخ أبو العباس الهروي التادلي :" أما مجاهداته (أبو يعزى) فقل من يصل اليها من الأكابر؛نقل عنه الزيات في التشوف ,وصاحب النجم والعزفي أنه قال:
أقمت في البراري سائحا خمس عشرة سنة ,لا آوي الى معمور ,وكنت أتقوت بالجمار ونبات الأرض ؛وكانت الأسود والطيور تأوي إلي في ساحتي ,وتتآنس بمجاورتي "
" لم يكن يشارك الناس في معاشهم لا في مجاهداته ,ولا في نهايته حتى لقي الله على أكمل حال"
وروي عن عبد العزيز الهسكوري أن أبا يعزى قال:" أقمت عشرين سنة في الجبال المشرفة على تمليل ,التي بين الغيل المنسوبة لآيت مدوال ودمنات وليس لي فيها اسم الا أبوجرثيل( صاحب الحصير,لعدم لبسه سواه) ثم انحدرت الى السواحل فأقمت بها ثمان عشرة سنة لا اسم لي فيها سوى أبي ونلكوط ؛ومعناه ,عند العامة, النبات المعروف بطول أمازيره ؛لأنه لا ينبت الا في الأزبال ولا يأكله الناس ولا الدواب.
" كان في آخر حاله يأكل البلوط ,يطحنه ويعجنه أقراصا فيقتات بها" (التشوف)
يقول بعض العارفين- نقلا عن أحداد محمد السوسي: " ستة من المشايخ قليل من بلغ مجاهدتهم ,أولهم أبو يعزى وثانيهم سيدي عبد القادر الجيلاني ,وثالثهم سيدي سهل بن عبد الله ,ورابعهم سيدي الخير الصباحي ,وخامسهم الهزميري ,وسادسهم أبو يزيد البسطامي .."
في حالة أبي يعزى لم تتأسس المجاهدة على علم حصله فأثر فيه ,شأن الصوفية العلماء ؛فهو رجل أمي ؛قضى طفولته بمسقط رأسه -442ه-هسكورة ,بناحية ورززات(جنوب المغرب)؛حيث كان يرعى ماشية والده " فلما اشتد عوده واستقامت أحواله قرر أن يغادر بلده هائما على وجهه ,عله يصيب معيشة رغيدة ,لكن القدر ساقه إلى الوقوع في الأسر ,لدى جماعة من النصارى بشاطئ الصويرة .بقي هناك أزيد من ست سنوات
يخدم هذه الجماعة بأجرة بسيطة .هذا ما جعله لم يتمكن من القراءة والكتابة , وربما لم يزر الكتاب .ذهبت به هذه الجماعة الى أوروبا فاشتغل بها زمنا ,معينا .." أحداد محمد السوسي.
رغم أميته ,وعدم حفظه للقرآن ,إلا بعض قصار السور؛كان يوقف المخطئ ليصحح
قراءته ؛ولما قيل له :كيف تعرف هذا وأنت لم تحفظ ,أجاب: أرى نورا يخرج من فم القارئ؛وحينما يخطئ ينقطع النور.
وسئل عن كيفية معرفته بمن لم يتوضأ من المقبلين على الصلاة فأجاب: أشم منهم رائحة الكلاب. أما تاركو الصلاة فكان يرى دخنا على وجوههم.
ضريحه:
كعادة المختلين من الصوفية بالبراري النائية وشواهق الجبال, حط أبو يعزى عصا الترحال بمكان يسمى "تاغيا" وهي بالأمازيغية, المكان الوعر ,وفي الشمال الغربي لتاغيا ينتصب جبل أيروجان شامخا بعلو 1100م تقريبا.
بهذا المكان يوجد ضريحه اليوم ,ويعرف في المغرب ,بضريح مولاي بوعزة.
يبع الضريح عن مدينة واد زم ب:67كلم؛ وعن مدينة خنيفرة ب:82 كلم .
أما حدوده القبلية فهي:
جهة الغرب :قبيلة زعير. جهة الشمال: قبيلة والماس.
جهة الجنوب: قبيلة السماعلة جهة الشرق: قبيلة زيان.
يقول ذ أحداد واصفا الزاوية البوعزاوية:
" يلاحظ الزائر عند مدخل الباب الكبير بهوا فسيحا ,ويواجهه باب المسجد الكبير ...وقد شيد على البهو المذكور الشيخ البوعزاوي الحاج محمد – دفين مراكش- قبة عظيمة؛وإذا تحول الزائر ,الى اليسار, قابله باب القبة التي يوجد داخله ضريح أبي يعزى؛وقد بناها السلطان مولاي اسماعيل العلوي جازاه اه بالخير والجنان....شكلها مربع وعلوها يصل الى حوالي ستة عشر مترا....لقد كان الفراغ من بنائها عام 1102ه."
يقصد الزوار ضريح أبي يعزى على مدار السنة ,ويقام له موسم يحضره أحفاده الشرفاء البوعزاويون والبوشتيون ,وسائر الزوار محبي أبي يعزى؛تماما كما كان يحصل في حياته ؛حيث كان يقصده علماء القرويين وطلبتها ,وغيرهم من الأولياء والصوفية,وسائر الناس.
يقع الضريح وسط مناظر طبيعية خلابة ,خصوصا في فصل الربيع, مما يجعل السياحة
سياحتين: روحية صوفية ,وطبيعية . كما عاش أبويعزى وسط البراري ,هاهو اليوم حيث أحب أن يكون ؛بنفس الأنس ونفس الحب.
انتهى