[align=right]يخط قلم القدر في كتابه أحيانا عديدة أن تنشأ من أحداث عظيمة البلاء والألم على أمتنا أحداث أخرى تكون جليلة وذات أثر طيب وما تلك الأمور إلا من علم الغيب الذي استأثر به الله عنده, فأما الأمر العظيم الذي حصل فهو سقوط الأندلس 636 هجري, وتلك المرارة التي تجرعتها الامة الاسلامية إثر ذلك وقد كان لزاما بل وحقاً لأم عبد الله الصغير مقولتها تلك: "ابك مثل النساء ملكا مضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال".ولم تنتهي مأساتنا ههنا بل زادت حينما خُير من بقي من المسلمين بين الرحيل ومفارقة الأندلس أو اعتناق النصرانية. وعليه بدأت قوافل الفارين بدينهم تحتل شواطئ عدوة المغرب وتلمسان وتنس وغيرها.
وفي تلك الفترة من التاريخ الحزين ورغم الفتوى المشهورة التي أصدرها محمد بن أبي جمعة الوهراني التي أفتى فيها مسلمي الأندلس بالبقاء تحت الضغط وإخفاء دينهم والتظاهر بالنصرانية اختار الشريف سيدي يدّر الأندلسي مفارقة الأندلس والنجاة بدينه لأن الفتنة آنذاك كانت عظيمة, فكان من بين أوائل الرجال الصالحين الذين حطوا بمدينة تلمسان واستقر به المقام فيها وذلك سببه حفاوة الاستقبال الذي لقيه من كبار أعيان وأحفاد سيدي بومدين شعيب العلامة الحكيم والمجاهد العظيم, أقام سيدي يدّر بين أظهرهم لحين من الزمن قضاه في الدعوة الى الله وفي تعليم العلم, ثم قرر تغيير الأجواء فحزم متاعه وحمل أهله وجعل يتجه نحو الشرق,إلى أن نزل بمكان يسمى "الدومية" وهي مكان يقع بمقربة من البحر من ساحل مدينة تنس.
كان لنزول سيدي يدر بهذه المنطقة بركات جليلة إذ ساهم في نشر الاسلام وتعاليمه السمحة والأصيلة بين سكانها بل وحتى في المناطق المجاورة, كما بث فيهم التعاون على البر والتآخي بينهم.ولهذا فقد أحبه أهل المنطقة وعظموه وجعلوه كبيرهم إلى أن وافته المنية عن عمر طويل ودفن في مكان قريب من بني راشد وقد خلفه ابنه عبدالله والذي كان بحق خير خلف لخير سلف فلم يتوان في المضي في اتمام مسير أبيه وهو الذي لم يحد عن الطريق الذي ينتهجه العلماء من طلب للعلم ومدارسة للقرآن وتفقه في الدين ودعوة إلى الله, هذا دأبهم وهذه حياتهم فلا أجمل من يزداد شرفك الطيني بشرف ديني.
كان عبد الله وحيد أبيه وكذلك قــــُدر له أن يكون له ولد وحيد وهو أحمد الذي شب كما شب أجداده على الصلاح والتقوى. قد كان صاحب فضل وبركة كما يشهد له بذلك الكثير ممن عاصروه. انتقل سيدي أحمد بن عبدالله إلى بطحاء وادي شليف في المكان المسمى اليوم بـ"أم الدروع" وخلاف لجده وأبيه فقد رزقه الله وزاوج له من الأبناء الذكور والإناث الكثير, وأخرج من صلبه نسل كثير, وعلى الرغم من كثرة ولد سيدي أحمد بن عبدالله فلم يشتهر من أبنائه إلا اثنين منهم وهما:سيدي سعيد وسيدي علي بهلول. فأما الأول فقد خلف أبيه في الموطن وكثر نسله فيه حتى تكونت هناك عدة مداشر ودواوير كلهم من نسله, وقد أصبحوا يـُـدعَون بأولاد سيدي الشيخ نسبة لسيدي السعيد , وأما الآخر وهو علي بهلول فقد آثر الانتقال إلى مكان غير بعيد ألا وهو "مجاجة" وهي بقعة حباها الله من كل خير وكأنها مـُعدة لقدوم أحفاد الرسول إليها وسميت "مجاجة" بذاك الاسم لاعتقادهم أنها تمج الباطل أي تلفظه، لكن أغلب الظن أنها سميت مجاجة لوفرة مياهها - المجاجة الأرض الوافرة مياهها- وقد درج الناس على تسمية المناطق بأوصافها, وكانت مجاجة قبل مجيئ علي بهلول مأهولة من بعض العرب الأوائل, فالمنطقة تعرضت للغزو الهلالي قرونا قبل ذلك وكانت منطقة "العطاف" منطلق الاجتياح لذلك تجد أسماء كل ما يليها من مناطق عربية؛ وادي الفضة، أم الدروع، مجاجة، أولاد فارس ...الخ.
بعد بنائه لزاوته المنارة أصبح سيدي علي بهلول بفضل علمه الرباني وعمله الصالح وزهده شخصية مؤثرة في حياة كل الذين عاصروه وخاصة في حياة اهل "مجاجة" الذين مازال المتقدمون والمتأخرون من أهلها يذكرون مناقبه الحميدة التي جعلت منه قدوة تحتذى وشعلة لا تنطفئ, فقد ظهرت علامات الصلاح والتقوى عليه منذ طفولته ولهم في هذا حكايات عديدة, ولكن أهم ما يحسب لهذا الرجل الفذ هو تنقلاته الكثيرة إلى مدينة تنس لأجل استقبال الوفود الأخيرة من اللاجئين والفارين بدينهم من جحيم الأندلس التي استولى عليها الصليبيون, فقد كان رحمه الله يكرمهم ويطمئنهم ويساعدهم على الاستقرار بعد فقدهم لكل ممتلكاتهم في الأندلس, ثم امتدت يده لمساعدة خير الدين بربروس إبان حروبه من أجل طرد الاسبان حين تحالف مع بعض القبائل البربرية من أجل دعم الجيش العثماني في حصاره لقلعة "بني راشد" لإجلاء الاسبان عنها.
يُروى أن علي بهلول خطب السيدة عودة بنت سيدي بوعلي لكن أباها رفض وامتنع لحاجة في نفسه, ولكنه سرعان ما قبل بتزويجه لمّا رأى في المنام من يأمره بذلك, فزوجه إياها وبارك لهما ودعا لهما بصالح الذرية, فرزقه الله بسبعة من الأبناء فربّاهم وأنبتهم أحسن النبات وهم:اسماعيل, سعيد, محمد, أحمد , عمر, بوعلي, وامحمد. وانتقل بعد هذا العمر الحافل سيدي علي بهلول إلى رحمة الله بعد جهاد وعمل في سبيل الله وفي سبيل اعلاء كلمة دينه مُخلفا وراءه من يدعو له بالمغفرة. [/align]