اطمئن يا ابن العمّ سعيد القاسمي فلستُ من أنصار هذا القول و لا من الذين يحبّذونه ، لكن لا ضَيْر من نقل نصوص القول الآخر و أدلته حتّى يكون هناك مجال للترجيح و المقارنة ، و القاعدة الشّرعية تنصّ على أنّه ( لا يلزم دومًا من ناقل القول أن يكون قائل به )
لكنّ البحث في أي مسألة يقتضي - بادئًا ذي بدء - كما قلت الموضوعيّة و عدم الانحياز لقول دون آخر إلاّ بدليل شرعيّ يرجّح أحدهما عن الآخر و ليس بمحض التشّهي النّفسي أو لمجرد الاستحسان العقلي ، و في ذلك يقول الشافعي - رحمه الله -

من استحسن فقد شَرَعَ )
* و على العموم أنا من أصحاب القول الذي ينفي صفة الشّرف عمّن وُلد من أمّ شريفة دون أبٍ حاز هذا الوصف
عملاً بالأصل - اذ الانتساب في العرف و الشّرع معًا لا يكون إلاّ للأب و ليس للأمّ في ذلك دخل إلا ما استثناه الدّليل
فالأصل في ذلك قول الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) و يقول رسول الله ( صلّى الله عليه و آله و سلّم ) : (ملعون من انتسب لغير أبيه) و في حديث آخر عن أبي ذرّ الغفاري - رضي الله عنه - مرفوعًا

ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى قومًا ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري و تابعه على ذلك مسلم في صحيحه .
* هذا هو الأصل الذي يجب استصحابه و العمل به في جميع الأحوال إلاّ ما استثناه دليل آخر - إمّا بنسخ محكم أو تقييد مطلق أو تخصيص عموم -
- و لا يوجد دليل شرعيّ يخصّص ما ذكرناه إلا ما ثبت في حقّ الدّرة المصون و المطهرّة البتول أم الحسنين فاطمة الزهراء بنت الرّسول ( صلوات ربّي و سلامه عليها و على أبيها و زوجها و جميع بنيها ) دون غيرها من نساء العالمين و إنّ كنّ شريفات من ذرّيتها
فمن طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن شيبة بن نعامة عن فاطمة ابنة الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى ( رضي الله عنها) مرفوعا إلى النّبي ( صلّى الله عليه و آله و سلّم ) : " كُلُّ بَنِي آدَمَ يَنْتَمُونَ إِلَى عَصَبَةِ أَبِيهِمْ إِلا وَلَدَ فَاطِمَةَ ، فَإِنِّي أَنَا أَبُوهُمْ وَأَنَا عَصَبَتُهُمْ " رواه الطبرانيّ في معجمه الكبير و أبو يعلى في مسنده
و كذا الديلمي في مسنده عن عثمان بن أبي شيبة بلفظ : "لكل بني آدم عصبة ينتمون إليه إلا ولدي فاطمة فأنا وليهما وعصبتهما " و مع أنّ ابن أبي شيبة هذا ضعيف لكنّه لم ينفرد بالحديث، فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام حدثنا أبي حدثنا جرير بلفظ : " كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم"
و الشّاهد من الحديث أن ّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلمّ استثنى فاطمة الزّهراء دون غيرها - بما في ذلك الشّريفات من ذرّيتها - إذ لو كنّ كذلك ، لكانت صيغة الحديث بهذا الشكل : [ كُلُّ بَنِي آدَمَ يَنْتَمُونَ إِلَى عَصَبَةِ أَبِيهِمْ إِلا وَلَدَ فَاطِمَةَ
و وَلد بنات فاطمة.... ] و هذا ما لم يثبت في الحديث بمختلف طرقه و كثرة متونه، اذن ليس هناك مجال للاستدلال النقلّي - الذي هو أقوى درجات الاستدلال - فضلاً عن تخمين و اجتهادات الجاهلين من ذوي الألسن المتجاسرة و تأويلات المبطلين أولو الزّيغ و الضلاّل ذوي العقول القاصرة
و الله تعالى أعلم و أجلّ