و بعد طرح أربع تعريفات لنسابين مختلفين من حيث الوطن و الزمن، نرى أن أبناء الأمام محمد بن سليمان قد اختلف في عددهم و في أسمائهم ، و تماشيا مع قاعدة كل كلام رد فنحن لن نأخد بتعريف على حساب تعريف و لن نسلم لنساب على حساب نساب، بل سنعمل العقل و الرأي لنخرج بفائدة أو نتيجة توافقية.
فصاحب كتاب المجدي أثبت لمحمد بن سليمان عشرة أبناء و هم الواردة أسماؤهم أعلاه، و قال بالحرف ما نصه: " .... والعقب من ولد محمد بن سليمان في عبد الله وأحمد وادريس وعيسى وابراهيم والحسن والحسين وسليمان وحمزة وعلي. و جاء الى الوسط و قال: فأما عبد الله وأحمد والحسن وادريس، فلهم أولاد وباقي اخوتهم لم نوصل الى فرع لهم.
فالنتيجة التي نخرج بها من هدا التعريف أن الأبناء العشرة لمحمد بن سليمان كلهم اعقب بدليل قول الكاتب و العقب من ولد محمد بن سليمان في العشرة المدكورين و قوله و باقي اخوتهم لو نوصل الى فرع لهم لا يعني انهم بدون ذرية و لكنه قول توضيحي بالذي في بال النسابة وما تناهى الى علمه نظرا لبعد الشقة و طول المسافة .
ثم نأتي الى ابن عنبة في كتابه عمدة الطالب، فقد اورد تسعة اسماء فقط و هي متطابقة مع ما أورده صاحب المجدي، الا ان صاحب العمدة أسقط سليمان، و في هده الحالة لا يسعنا الا أن نرجح فرضية السهو و الغفلة، و هي فرضية لن تضيف دعيا و لن تسقط نسيبا في حالتنا هده. على اعتبار ان سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الله المحض لم تثبت له ذرية تنتسب اليه، فسواء أثبتنا ما أثبته صاحب المجدي او أسقطنا ما أسقطه صاحب العمدة فلا ضرر على النسب و لكن الأجر مع الإثبات تماشيا مع قاعدة المثبت للشيء مقدم على النافي إلا ببرهان و لا برهان لنا هنا الا الظن و هو ليس بالمعتمد.
لنصل الآن الى كتاب السلسلة الذي عرف انتشارا الكترونيا غير مسبوق في الآونة الأخيرة، و قبل الخوض في المناقشة أحب أن الفت انتباه السادة و المتتبعين الى أن يتوخوا الحذر وقت التعامل مع الكتاب، و أن يستأنسوا به لا أن يأخذوا به لأن به اضطرابات نبينها في محلها سواء في نسب السليمانيين موضوع عملنا او في بعض أنساب الأدارسة.
جاء في السلسلة ما نصه "..... لما توفي رضي الله عنه خلف عشرة أولاد و هم السيد الحسن و السيد الحسين و السيد الناصر و السيد يوسف و السيد علي و السيد عبد الرحمن، فهؤلاء الستة درجوا بدون عقب و السيد عبد الله المحدث و السيد أحمد و السيد الحسن و السيد إدريس فهؤلاء الأربعة هم أصول الفروع السليمانية ..... " فمن خلال ما سبق نرى أن صاحب السلسة اتفق مع صاحب المجدي في العدد و اختلف معه و مع صاحب العمدة في الأسماء، فأول التناقضات يقول بأن محمد بن سليمان ترك عشرة أبناء و لكننا نراه يثبت تسعة فقط و ليس عشرة، قد يرتبك القارئ و يقول : لكن صاحب السلسلة أثبت عشرة بالكامل ستة بدون عقب و هم الحسن و الحسين و الناصر و يوسف و علي و عبد الرحمن، و أربعة أعقبوا و هم عبد الله المحدث و احمد و الحسن و ادريس، فبالله عليكم ألا تروا ان اسم الحسن قد تكرر فإما أن يكون قد أعقب او انه بدون عقب و اترك لكم حرية الإختيار، رغم أن الرأي الصريح واضح و جلي. و ما أسم عاشر الأبناء عند صاحب السلسلة؟؟؟؟؟ ثم نراه يعطينا أسماءا هناك خلاف حول وجودها و هم عبد الرحمن و الناصر و يوسف. و بالتالي فإما أن صاحب السلسلة ذكر اسماء أبناء بالتدني و اختلط عليه الأمر فكتبهم أبناءا مباشرين؟؟؟؟؟ أو أنه ببحثه توصل الى نتيجة جديدة و هي إضافة ثلاثة رجال الى العشرة المذكورين فيصبحون ثلاثة عشرة؟؟؟؟؟ و هو ما لا يستقيم لأن الرجل حصر العدد في عشرة مسبقا، كما نراه يسقط رجلا جملة و هو ابراهيم ، مع العلم ان ابن حزم اثبت ذرية الأخير و بالتالي فكيف نثبت الذرية للعدم إن نحن سلمنا بما أورده صاحب السلسلة و الشاهد قول ابن حزم : " ومنهم: أحمد بن عيسى بن إبراهيم ابن محمد بن سليمان، صاحب سوق إبراهيم، وهو قاتل عمه لحا عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان؛ ومنهم: أبو العاصي الحكم وعبد الرحمن ابنا علي بن يحيى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، سكنا قرطبة وأعقبا بها، منهم: أبو جعفر عبد الله بن الحسن بن الحكم المذكور، فتى أديب، وعبد الله ابن عبد الرحمن بن علي بن يحيى بن محمد المذكور، انقرض؛ وعمه حمزة ابن علي بن يحيى بن علي، وأخوه علي بن يحيى المذكور؛ ومنهم: صالح أبو كنانة، والحسن، والقاسم، وهاشم، ويعقوب، بنو يحيى بن محمد المذكور؛ دخلوا الأندلس كلهم. وكان سليمان بن محمد، أخو يحيى بن محمد المذكور، رئيساً في تلك الناحية أيضاً " و هنا يرى السادة أن نسل ابراهيم بن محمد تقريبا حظي بحصة الأسد ذكرا دون باقي السليمانيين و عذرنا لابن حزم في ان الواردين الى الأندلس من السليمانيين اكثرهم من ذرية ابراهيم ، فكيف يستقيم هذا مع ما جاء به صاحب السلسلة، مما يخلص بنا الى استنتاج ان ما ألفه الرجل حول السليمانيين يشوبه الخلط و الإضطراب، و الله أعلم.
و أخيرا نحط الرحال عند ابن حزم صاحب الجمهرة، إذ يقول " فولد محمد بن سليمان هذا: إدريس، وعيسى، وإبراهيم، وأحمد، وعلي، والحسن، كلهم أعقب. صاحب الحمهرة هنا يختلف مع الجميع في العدد ويتفق معهم في اسماء من ذكرهم، و عذر ابن حزم معه إذ قال في مقدمة كتابه ما نصه " ..... فجمعنا في كتابنا هذا تواشج أرحام قبائل العرب و تفرق بعضها من بعض، و ذكرنا من أعيان كل قبيلة مقدارا يكون من وقف علي خارجا من الجهل بالأنساب و مشرفا على جمهرتها ...." و بالتالي فكلمتي أعيان و مقدار تدفعنا دفعا الى فهم قصد الرجل و رصد ما لم يقله و هو انه قد يترك بعض الرجال لأنهم لا يدخلون حسب رأيه ضمن مجال الأعيان و المقدار الواجب ذكره، لنصنف عمله بالجملة على أنه عمل تعريفي انتقائي لا ينبغي الركون اليه بالجملة كمصدر وحيد، وقد اختلف صاحب الجمهرة اختلافا رهيبا مع صاحب السلسلة في اثبات الذرية لبعض أبناء محمد بن سليمان، الأخير حددهم في أربعة ثلاثة ذكرهم ابن حزم و هم أحمد و الحسن و إدريس و واحد لم يذكره و هو عبد الله المحدث، و لكنه موجود أقر وجوده نسابة المشرق قبل نسابة المغرب، و الملفت للإنتباه هو أن علي ذكره صاحب السلسلة في عدد غير المعقبين و ابن حزم ادخله في حساب المعقبين و اعطى مثالا لذريتيه على غرار باقي اخوته فقال " .... و منهم حمود بن علي بن محمد بن سليمان، و هم بالمغرب كثير جدا و كانت لهم بها ممالك عدة قد بطل جميعها....." و ما ذكرناه حول ابراهيم أعلاه يكفي، و هنا نرى أن نغلب رأي ابن حزم لعدة اسباب أهمها تاريخ حياته الذي يبقى أقرب الى الأجيال الأولى من السليمانيين.
و في الأخير و بعد هذا العرض قد تسعفنا الفرصة لنخرج بخلاصة بينة، و هي أن أولاد محمد بن سليمان بن عبد الله المحض عددهم عشرة و هم المذكورين عند صاحب المجدي مع زيادة رجل على ما ذكره صاحب العمدة، و نستظهر برأي ابن حزم في اثبات الذرية لستة ذكرهم بالدليل إذ يبقى هو الأقدم زمنيا و الأقرب جغرافيا، مع زيادة السيد عبد الله المحدث المجمع على وروده بلاد المشرق ليصبحوا سبعة رجال أعقبوا بلا خلاف بعد استبيان بعض الحقائق و هم :
عبد الله المحدث و احمد و إدريس و عيسى و ابراهيم و الحسن و علي، و يبقى حمزة و سليمان و الحسين محل بحث لأن عملي هذا لا يمكن وصفه بالكمال، و إنما هو اجتهاد قد يشوبه نقص خصوصا اننا لم نطلع على كل كتب الأنساب و انما اقتصرنا على ما توفر و ما هذا الا بداية المشوار و على الإخوة المساعدة سواء بطرح ما يناقظ عملنا هذا او بمدنا بكتب أنساب لم تسعفنا الظروف للحصول عليها، و قبل أن نختم نحب لفت انتباه السادة الى أنه من المرجح جدا اختلاط انساب السليمانيين و الأدارسة لسببين الأول وجود عدة أسماء متشابهة بين النسلين في آخر السلسلة و خصوصا عبد الله و أحمد و إدريس و محمد و القاسم ، و الثاني لشهرة البيت الإدريسي، و شاهد الإختلاط موجود في السلسلة عند تعرض المؤلف لنسب الشيخ يعقوب الشريف بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الخالق بن علي بن عبد القادر بن عامر بن رحوا بن مصباح بن صالح بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله المحض، لكن السيوطي يرفع نفس الرجل الى الإمام ادريس.
و أيضا ما وقع في نسب الإمام الشريف محمد المهدي بن تومرت صاحب دعوة الموحدين، إذ قالوا بانه ادريسي و هو غير صحيح بل سليماني و هو ما ذهب اليه ابن خلدون و رجحه، وإليه نميل بالإستقراء و سنبينه في موضوع مستقل.
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته في انتظار تفاعلكم.