الشيخ سيدي محي الدين
<!--[if !vml]-->ولد الشيخ محي الدين سنة تسعين ومائة وألف الموافق لعام 1776 م، في قرية الضفة اليسرى لوادي الحمام غربي مدينة معسكر. و القرية هي قيطنة وادي الحمام حيث كانت عبارة عن عدد صغير من المنازل تشتمل على زاوية كانت مقصد العلماء و المرابطين و الشخصيات المعروفة من المنطقة اشتهرت أسرة محي الدين بالكرم و التقوى و العلم في قبيلة بني هاشم، و خارج حدود هذه القبيلة و كان نشاط أسرته يسودها طابع ديني و اجتماعي.<!--[endif]-->
نشأ الشيخ محي الدين و ترعرع وفي أحضان والده تثقف و كرع من أهل الثقافة و الأدب و العلوم الإسلامية. وقبل أن يدق ناقوس الخطر، كان محي الدين رئيس الأسرة و متزوج بأربع نساء هن زوبيدة التي ولدت له محمد السعيد ومصطفى و أحمد، الزهراء التي أنجبت له عبد القادر و بنتا اسمها خديجة، فاطمة التي ولدت له الحسين و بنتا اسمها يامينة و خيرة التي ولدت له ابنه المرتضى.
و في سنة 1826 م تمكن محي الدين مع ابنه عبد القادر من زيارة الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج و قد مر المسافران بتونس ثم طرابلس ثم الإسكندرية و القاهرة ثم توجها إلى مكة و بعد أن أديا الحج قاما بزيارة العراق، و في السنة الموالية عاد إلى الأماكن المقدسة للقيام بحجة أخرى ثم رجعا بطريق البحر إلى الجزائر حيث كانا في استقبالهما جمع من العلماء و الأعيان للترحيب بهما فزادت بذلك سمعة محي الدين و انتشر نفوذه كما اتسع نطاق الدور الذي يقوم به في التحكيم و فصل الخصومات وكما آل الأمر إلى الاختلاف و النزاع و سريان الدفاع و الانتقام و أخذ الثأر. وتوقفت المعاملات التجارية و ركن النشاط الزراعي بسبب اختلال الأمن العام عند عدد من العلماء و الأشراف وذي الحل والعقد وعزمهم على المبايعة لأمير تتوفر فيه الشروط الضرورية ليقوم بها أشهر الكفاح الشعبي و قد وقع اختيارهم على محي الدين لما ظهر عنه من الفضل و لما عرضوا عليه هذه الرغبة رفض الأمارة و لكنه قبل الجهاد. وفي 17 من شهر أفريل 1832 م قام محي الدين بشن هجوم برجاله على دوريه استطلاعية فرنسية في ضواحي وهران و أنزل بها بعض الخسائر، و في أول ماي وجه محي الدين تحد للجنرال قائد قوات وهران بالجلاء عن المدينة أو بالخروج للقتال و لكن القائد الفرنسي لاذ بالصمت و رفض أن يرد عليه.
وفي 03 مايو من نفس السنة جمع محي الدين عدة آلاف من المجاهدين واتجه على رأسه إلى مدينة وهران و شن هجوما على قوة فرنسية كانت تعسكر في المنطقة و قد أشرك عبد القادر في هذه المعركة و أبلى فيها بلاء حسنا و استمرت المعارك عدة أيام ثم أوصى محي الدين القبائل المجاورة بمواصلة محاصرة وهران اقتصاديا و بعدم السماح بوصول الممون إلى حاميتها الفرنسية.
وفي 19 سبتمبر نظم محي الدين حملة هجومه على وهران على رأس قوة تعدادها حوالي ألف رجل، و حملة أخرى في 23 أكتوبر على رأسها خمسمائة (500) مقاتل و كانت خسارة الفرنسيين بالغة و استمر الشيخ محي الدين في قتاله للعدو و ليثبت إرادة الشعب في الكفاح و يدرب المجاهدين على أساليب الحرب مع الفرنسيين.
توفى الشيخ محي الدين البركة المقتدر به في كل سكون و حركة يوم الأحد ثالث ربيع الأنور سنة تسعة و أربعون و مائتين و ألف الموافق ليوم 21 جويلية 1833 م. و قد تم دفنه بسيدي قادة و أمر ببناء ضريحه الأمير عبد المالك و ابن أخيه الأمير خالد. كما توفي في تلك الفترة ابنه أحمد بعد مرض ألزمه الفراش مدة من الزمن يوم الثلاثاء من شهر جمادى الأول سنة 1252 هجري، و تم في الحين قبره بجوار والده الشيخ محي الدين، و هو يعتبر الأخ الأكبر للأمير عبد القادر، فهو فقيه صوفي له اهتمامات ببعض علوم عصره، حيث كان يقرض الشعر وقد ولد بقرية القيطنة من نواحي معسكر، رحل إلى المغرب حيث تولى مشيخة والده في الطريقة القادرية، و قد عرضت عليه الأمارة قبل أن تعرض على أخيه عبد القادر فلم يقبلها، ولم يقبل الزواج من أسرته لا من قريب و لا من بعيد، و لكنه اشترك مع أخيه في كفاحه ضد الفرنسيين، و دوره في هذا الكفاح غير بارز، كما أن دوره العلمي غير بارز، بحيث أن تراثه مغمور.
منقول من كتاب "معسكر رجال وتاريخ" للأستاذ جيلالي بن جلول