بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
آل البيت في المغرب
د . عبد الهادي التازي
المملكةالمغربية
كان اول القادم على المغرب، من ذرية الامام علي بن ابي طالب، هو المولى ادريس بن عبد اللهالكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت الرسول عليه الصلوات، وذلك بإجماع المؤلفين الذين كتبوا عن تاريخ المغرب بعد ظهورالاسلام...
وقد كان وصول ادريس الى افريقيا عبر البحر الاحمر بعد وقعة فخالتي جرت يوم ثامن ذي الحجة 169 (10 يونية 786). ومن طنجة التي نزل بها، بادئ الامروجه نداءه التاريخي الى المغاربة، ولم يلبث ان تلقى البيعة يوم الجمعة رابع رمضانسنة 172 (6 يبراير 789) حيث انشأ مملكةً بالمغرب مستقلةً عن الخلافة العباسية ببغداد.
ويتأكد ان حركة الامام ادريس التي امتدت الى تلمسان وتجاوزته الىمفاتحة والي مصر للانضمام الى آل البيت، يتأكد ان تلك الحركة اغضبت العباسيين ببغداد!
ولأن المسافة بعيدة كان يصعب معها ارسال الجيش لمقاومة حركة ادريس،فقد بعثوا بمن احتال عليه وقام باغتياله! وقد حسبوا ان الامر انتهى، لكن الدولةاستمرت بجهود ابنه ادريس الثاني الذي انشأ له سنة 192 (808 م) عاصمة تحمل اسم فاسبعد ان وفدت عليه حشود من الأندلس وإفريقية بل ومن العراق وفارس ممن تعرضواللاضطهاد والقمع والظلم في تلك الجهات(1) .
ومن هنا نُعتت فاس بأنها ملاذالخائفين، فقد اصبحت فعلاً كعبة القاصدين ولا سيما من الاشراف، او السادة كمايسمونهم بالمشرق، بمن تشملهم كلمة الاشراف او الشرفاء من أُسر عديدة فيها الحسنيون وفيها الحسينيون.
وهكذا وجدنا ان هناك خمس فصائل اساسية:
الاولى: الأدارسة بمن فيهم الجوطيون بجميع فِرَقهم، ومن فيهم من غير الجوطيين وهم كثيركثير...
الثانية: المحمديون وهم العلويون الواردون من ينبع والذين يوجدون اليوم ومنذ أكثر من خمسة قرون على رأس الحكم بالمغرب..
الثالثة: الموسويون ويندرج فيهم القادريون...
الرابعة: العريضيون، ويشملون الأشراف الحسينين منصقليين وبني عمهم.
الخامسة: الكاظميون وهم الأشراف المنعوتون بالعراقيين...
ومن الملاحظ أن الأشراف بالمغرب وخاصة منهم الأدارسة الأوائل تعرضوا لمحنة كبرى أواخر الدوله الأدريسية بسبب تصميمهم على ان يحتفظوا باستقلال بلادهم ضد أطماع الأمويين بالأندلس فيهم وضد أطماع بعض الزعماء المحليين الذين كانوا يعملون لحساب جهات خارج المغرب .
ظلوا ولفترة قرن كامل يقاومونويناضلون... وقد مرت بهم فترة من الفتراتِ الحاكمةِ كانوا يضطرون فيها للهجرة ألى الصحاري والجبال، بل يضطرون ألى تغيير انسابهم وأسماءهم حتى يفلتوا من القتل والسفك، وما بطش موسى ابن أبى العافيه بغائب عن أسماع كل المغاربه بل وعن المهتمين بتاريخ الغرب الاسلامي كله !
والجدير بالذكر في هذا المقام أن المؤرخين المغاربه اهتموا جميعهم بأمر الأنساب، ولذلك نجد العشرات من التآليف التي تنصب على معالجة هذا الموضوع، نجد أنهم جميعهم وهم يتحدثون عن تاريخ بناء فاس مثلاً لابد وأن يستحضروا مؤسس المدينة، ويذكرون نسبه وذريته، كما نجدهم أي المغاربة، وهم يتصاهرونبعضهم مع بعض، يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أنالزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده الى أن يصل الى الامامعلي وزوجته السيده فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التيتحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً الى مولانا علي ومولاتنا فاطمة...
ولم يكن غريباً علينا أن السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية وأحد سلاطينها الأجلاء ـ المتوفى بجبل هنتاته جنوب المغرب يوم 27 ربيع الأول 752 (1352) ـ أن نجد هذا السلطان يقوم بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، ويبعث بقاضي الحضرة الفاسية العالم الاكبر، السفير الاجل ابا سالم ابراهيم بن ابي زيد عبدالرحمن بن ابي يحيى التازي، يبعث به لسائر اطراف البلاد مميزاً لأعيانهم ومختبراًلأنسابهم الى ان اتم جرداً لأمير المؤمنين يستوعب سائر الانساب والاحساب...
وقد اقتدى السلطان ابو سالم بن ابي الحسن بوالده فقام بدوره بتفقد الاشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعى منزلهم، وكان هذا النقيب هو ابو عبد الله بن محمد بن محمد بن عمران بن عبد الواحدبن احمد بن علي بن يحيى(2) .
والحقيقة ان الملوك المغاربة اقتدوا في هذاالصنيع بما هو معروف عند العلامة الماوردي المتوفي سنة (450 هـ 1058) في تأليفه «الاحكام السلطانية والولايات الدينية»(3) الذي خصص الباب الثامن من كتابه للحديث عن انشاء النقابة على ذوي الأنساب...
لقد كان الماوردي صريحاً في تمييز أهل البيت عن غيرهم لدرجة انه افاد انه اذا تنازع احد من آل ابي طالب مع احد ينتمي الىغيرهم من العباسيين مثلاً فإنه لا تجب على احد منهما الاجابة لحكم غير حكم نقيبه،الى آخر ما جاء في الباب من فقه جدير بالعودة اليه.
والمهم بالنسبة الىّ فيهذا الموضوع ان ابرز المركز الاجتماعي لأهل البيت من خلال الاحداث التي عاشهاالمغرب ويعيشها عبر تاريخة الطويل العريض. وأشير الى ارتباط الاسر المغربية الشريفةبأصولها التي توجد بالمشرق ، وهو الامر الذي يحتاج الى تظافر جهود النسابة في كلجهات العالم الاسلامي بل وغير العالم الاسلامي من اجل المزيد من الضبط والتحري والحزم.
وإذا ساغ لنا ان نقارن بين ما صدر في الديار المشرقية من تأليف عبرالمحاولات التي ظهرت لحد الآن من اجل ضبط فضائل ابناء الرسول(4) فإننا سنباغت بوفرة المراجع المغربية التي تناولت أحياناً كل فصيلة على حدة واحياناً على ما يتفرع عنتلك الفصيلة، واحياناً اخرى على الاسرة الواحدة تسكن في حي من احياء المدينة اوقرية من القرى او مدينة من المدن...
ومن الطريف ان نجد في هذه المصادروالمراجع ما دون بالنظم كذلك على نحو ما نقرأه عند الشيخ ابي زيد عبد الرحمن الفاسي في موسوعته الشعرية المعروفة تحت اسم «الاقتوم في مبادئ العلوم» حيث نراه يخصص جانباً مهماً من هذا التأليف للحديث عن (علم انساب الشرفاء بالمغرب)، كما يخصص باباً على حدة للأشراف الأدارسة الجوطيين .
وحتى يكون عملنا دقيقاً، نرى منالمفيد ان نستعرض بعض التآليف المتخصصة حول الانساب في المغرب مما يعتبر مرجعاًاساسياً حول الموضوع.
ويتعلق الامر بمخطوطة (الاشراف على بعض من حل بفاس من مشاهير الاشراف) الذي الفه عالم متخصص هو القاضي الطالب ابن الحاج الذي كان يمتاز بتعدد اصدقائه ومعارفه وتنوع مراجعه ومصادره(5).
والمهم في مقدمة الكتاب انها تستوعب ذكر عدد من النقول التي تعزز المعلومات التي اعتمد عليها المؤلف بمافيها التآليف السابقة واللاحقة.
وهكذا يتبين من خلال مقدمة التأليف المذكورفيما يتصل بأبناء سيدنا الحسن والحسين ان مرجعهم الى اثني عشر سبطاً: ستة من سيدناالحسن وستة من سيدنا الحسين، فالحسنيون: واحد منهم من الحسن بن زيد بن الحسن السبط،وخمسة من الحسن المثنى، وهم عبد الله الكامل، وابراهيم، والحسن المثلث، وجعفر،وداوود.
والحسينيون كلهم من ابناء علي زين العابدين بن الحسين (بالياء) السبط، وهم محمد الباقر، وعبد الله، وزيد الشهيد، وعلي والحسين (بالياء) وعمر.
وممن اوسع الكلام من حفاظ النسب حول الاسباط الاثني عشر تاج الدين ابنمعين الحسني في كتابه (هداية الطالب في نسب آل ابي طالب)، وشهاب الدين بن عنبة الحسني في كتابه (عمدة الطالب في نسب آل ابي طالب) والسمرقندي الحسني في كتابه (تحقّق الطالب فيمن ينسب الى عبد الله وابي طالب) والازورقاني الحسني في كتابه (بحرالانساب فيما للسبطين من الاعقاب...) وعلي الشامي في تأليفة (مبادرة الاسعاف بنظماجداد بعض الاشراف) وسليمان الحوات في تأليفه (اثمد العُيُون في شرفاء أهل العيون) والسّجلماسي في كتابه (الابريز في مناقب الشيخ عبد العزيز).
وقد تبين ان مرجعهم الى ست فصائل:
الفصيلة الاولى: الادارسة، بنو الامام ادريس سالف الذكر.
ويأتي في صدر الادارسة الفريق يحمل نعت الجوطيين (نسبة الىجوطة) قرية عظيمة كانت على نهر سبو حيث توجد اليوم بلاد اولاد عمران كانت ميناءًهاماً يتوفر على دار لبناء السفن، كان يربط المنطقة بأعالي البحار عبر النهرالمذكور، ادركها الخراب وتحيفها النهر على حد تعبير المؤرخين . كان اول من نزلبجوطة يحيى بن القاسم الملقب بالعدّام لكثر ما يقوم به اثناء الجهاد من اعداماتلخصوم الاسلام ومرجع هؤلاء الى خمس فرق:
* الفرقة الاولى: الطاهريون،نسبةالى جدهم ابي الجمال طاهر ... وقد تعددت النقابة في هذه الفرقة بفاس منذ قدومهم عليها من مكناس في النصف الثاني من القرن التاسع...
* الفرقة الثانية: الشبيهيون، نسبة الى جدهم السيد احمد الشبيه، ودعي الشبيه لأنه كان يشبه جده صلى الله عليه وسلم ... وبيت هؤلاء الشرفاء بمكناسة وزرهون وهم ولاة ضريح الإمام ادريس الاكبر... الى الآن.
* الفرقة الثالثة: العمرانيون، وينسبون الى جدهم عمران،وهؤلاء الاشراف من كبار الاعيان وأهل النباهة والشأن، كانت فيهم النقابة، وهذه الفرقة بفاس ذات فرعين:
* احدهما: الذين استمرت لهم الشهرة بهذه النسبة العمرانية الى الآن.
* وثانيهما: شرفاء دار القيطون والنسبة الى جدهم ابي العلاء ادريس سادس الابناء من عمران عنوان شهرتهم، الذي كان يسكن دار القيطون التي توجد الى الآن بحرم الضريح الادريسي.
* الفرقة الرابعة: الطالبيون، نسبة الى جدهم ابي طالب سادس الابناء من ابي عبد الله محمد الجد التاسع للفروع الجوطية كلها،وهو ابو طالب بن سليمان ابن محمد بن قاسم بن العباس ابن محمد المذكور. وهذه الفرقة من اهل الشرف الباذخ والشيم الطاهرة اصحاب الحسب الاصيل والمنصب الجليل ... اصحاب التواضع الذي يفوق تواضع سائر من رأينا من الاشراف ... كانوا، قبل العمرانيين والطاهريين ولاةً لضريح جدهم المولى ادريس قاطنين بدار القيطون.
وبعد خروجهم منها نزلوا بعدوة الاندلس بدرب السعود المعروف الى اليوم بهذا الاسم وكان الذي اخرجهم من دار القيطون عاهل بني مرين عندما سَعى في ذلك العلامة ابن مرزوق الذي تزوج بنت الشريف العمراني(6).
واسم جدهم الذين تفرعوا عنه ابو عبد الله محمدعاشر الابناء من ابي طالب احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابي طالب بن احمد بن ابي طالب بن محمد ابن ابي طالب المذكور، فالتسمية بأبي طالب تكررت في عمودهم بعد جدهم سليمان.
* الفرقة الخامسة: الفرجيون، نسبة الى جدهم ابي الفرج، ثالث الابناءمن ابي محمد عبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الشبيهيين وخامس الابناء من ابي محمدعبد الواحد الذين يجتمعون فيه مع الطاهريين، وثامن الابناء من ابي عبد الله محمدالجامع للفروع الجوطية كلها...
وهو ابو الفرج بن ادريس بن عبد الواحد بنمحمد بن علي بن عبد الواحد المجاهد...
وقد توزعوا فمنهم من يقيم بمكناس ومنهم من يقيم بفاس، وهم ثلاثة فروع:
الغالبيون نسبة الى جدهم ابي غالب...
والفرع الثاني الفرجيون من مكناسة الزيتون ...
والفرع الثالث من الفرجيين الطالبيون نسبة الى جدهم ابي طالب ثالث الابناء من ابي الفرج ...
وجميع هؤلاء ومن انحدر منهم يحملون نعت الجوطيين نسبة الى جدهم.
يتبع