بسم الله الرحمان الرحيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى النبي الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال أبو الربيع سليمان بن محمد الحوات في السر الظاهر : من الواجب على من قلده الله أمر الدين ونور سريرته بأنوار سيد المرسلين صيانة هذا الشرف الذي هو أعلى من درة الصدف من المنتسبين المختلسين وحماية حماه من المنتحلين المدلسين ، وهذا يتأكد في حق أهله الذين أحرزوا في مجال الصراحة قصب سبقه.
وقال العلامة أبو علي الحسن بن علي السوسي الألالي في جواب له :
قد كثر المدعون في زماننا هذا لهذا النسب الكريم جرأة على سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وجهلا بالوعيد الوارد فيمن انتسب إلى غير أبيه وانضم إلى ذلك تساهل العوام في شهادتها ومسامحة الخواص في الإنكار على من انتسب لهذا النسب الشريف ظنا منهم أن ذلك أسلم لهم .
وهيهات فأين السلامة وقد أسلموا الذخيرة الحسنى الذي هو النسب النبوي الذي إليه المفزع معاشا ومعاذا ومنه استمداد العالم ظاهرا وباطنا وتركوه في أيدي العوام يبيعونه بثمن بخس فما رامه منتحل إلا وجده على طرق التمام ، وقد علموا أنه من محض حق الله الذي تجب المبادرة إليه بالإمكان ، فكان حقا عليهم أن يعتنوا بحفظ نور نبيهم وضبط أولاد سيدهم إذ هو نفيس ذخائرهم فيقدر قدره وتستمطر بركته وسره فيستسقى به الغمام وتستشفى به العاهات والأسقام .
وإذا لم يوجد من يردع هذه الأحوال تفاقم أمر النسبة واستحال وفتحت أبواب الأطماع وهتك حصن الإجماع وكثر الدخيل وجوز المستحيل وعمت البلوى في السر والنجوى فحينئذ يتوصل إليه ذوو الجاه بجاههم ويتوسل إليها ذوو اليسار بمالهم وغير خاف تعطيل كثير من الأحكام إن حلت عرى هذا الاستحكام .
وتالله لقد ضلوا وأضلوا في مهاوي الخسران زلوا وأزلوا ، ألم أنهم ارتكبوا في ذلك أمرا عظيما وخطبا جسيما ، لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون .
فيتعين على الشاك أن يقول في نفسه إن كنت من آل البيت في نفس الأمر فيا بشراك و لا يضرك عدم إشاعة ذلك في دار الفناء بل اكتف في ذلك بعلم الله وعلم حبيبه فالجزم ترك الإشاعة لله فإن من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه ، وإن لم تكن فكيف تكون فضيحتك على رؤوس الأشهاد ، وما عسى أن يحصل لك بإشاعة ذلك في هذه الدار عند قوم لا يغنون عنك شيئا بل واحد مصدق وألف مكذب مستهزئ ، حتى تكون خملاء الناس أفضل منك حالا ، ويعاملك الناس بنقيض المقصود إذ مقصودك العز والتعظيم فيهينون ويذلون ، وهذا عذاب عاجل وخطر آجل .
وأقول وأني لأستغرب ممن يعرف حقيقة نفسه وجرثومة أصله ثم يتجاسر على الله ورسوله ، فكيف لا يشفق على نفسه ويصونها من عذاب النار وغضب الجبار وعداوة النبي المختار ، وليت شعري ما يقول يوم العرض وما تكون حجته إذا مدت الأرض ، وسعرت النيران واختطفته الربانية وأسلمه الحميم للجحيم وشراب من حميم .
فينبغي لمن لا له في هذا الجناب الكريم انتساب ، و لا لأقصاه و لا لأدناه انتساب و لا للتعلق به سبب من الأسباب أن يصون نفسه بسور من التقوى وأن لا يجعل عرضه غرضا لسهام البلوى ويخشى من يعلم السر والنجوى و لا يغتر بما شاع في الألسن بأن الناس مصدقون في أنسابهم ولم يعلم أن الإمام مالكا شرط فيه الحوز والمعرفة به.
أما إن كان غير حائز لما يدعيه من دعوى الشرف أو معروفا عند الناس بغيره من الأنساب فهو مصدق فيما هو حائز له ومعروف به عند الناس ، على أنه يجب عليه إن كان حائزا لنسب ومعروفا به أن يعتقد أنه قطعي لا ظني .
لهذا كان للملوك السالفين قدس الله أرواحهم في أعالي عليين غيرة كبيرة على هذه النسبة الطاهرة إذ حفظهم منوط بحفظها حتى قال ابن السكاك وغيره ، عز الدولة بعز آل البيت وبه تعلو أقدارهم وتنور أقمارهم لأنهم بضعة نبيه ووصيته و لابد من تنفيذ وصيته .
ولم يكن غريباً علينا أن نجد السلطان المريني أبا الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، واسطة عقد الدولة المرينية وأحد سلاطينها الأجلاء ـ المتوفى بجبل هنتاته جنوب المغرب يوم 27 ربيع الأول 752 (1352) ـ يقوم بعملية جرد لجميع الشرفاء القرباء والبعداء، ويبعث بقاضي الحضرة الفاسية العالم الأكبر، السفير الأجل أبا سالم ابراهيم بن أبي زيد عبد الرحمن بن أبي يحيى التازي، يبعث به لسائر أطراف البلاد مميزاً لأعيانهم ومختبراً لأنسابهم إلى أن أتم جرداً لأمير المؤمنين يستوعب سائر الأنساب والأحساب...
وقد اقتدى السلطان أبو سالم بن أبي الحسن بوالده فقام بدوره بتفقد الأشراف وجمع شملهم وتعهدهم بالصلات، بل وجعل عليهم نقيباً يحمي حقوقهم ويرعى منزلهم، وكان هذا النقيب هو ابو عبد الله بن محمد بن محمد بن عمران بن عبد الواحد بن احمد بن علي بن يحيى.
ولما أشرقت شمس هذه الدولة العلوية الحسنية المحمدية ضرب المثل بأمير المؤمنين مولانا الرشيد في الاستقصاء في البحث عن هذا النسب الحفيل والحث عليه حتى تمحص الأصيل من الدخيل وانقطعت الدعوى وانكشفت البلوى واسند الأمر في ذلك لأهله وحكم فيهم بسيف عدله فمن أتى بحجته أبقاه في نسبه ومن كانت دعواه كاذبة أصابته سهام زجره الصائبة وطيف بهم في الأقطار وأودعوا في سجون الأمصار وبعدها تابوا وإلى العوام آبوا ونالتهم الأحكام والغرامات ولم تقم لهم بعد قيامة .
ثم جاء بعد ذلك الإمام الجليل ذو المجد الأثيل السلطان مولانا اسماعيل وبعدما حكم فيهم بالسنة والفرض جعلهم طبقات بعضها فوق بعض . المشاهر المتواتر شرفهم الواضح وضوح البدر المنير ، ثم أهل الرسوم الشرعية الواضحة الوضوح الكبير ، ثم أهل الرسوم المجردة عن التصحيح الكثير بعد ضرب الاجال عليهم وجعلهم في التخيير ، ثم أهل الظهائر التي ربما قواها في الظاهر ظهير ، ثم أهل الدعاوى المجردة المتعرضة لسهام النكير ، ثم أهل الدعاوي الكاذبة التي ليست بموجبة ولا سالبة و لا يمكن بها التعبير .
ثم قام بعده لهذا الوظيف حفيده السلطان مولانا محمد بن عبد الله فحقق فيها المناط وشد في مقدمتها ونتيجتها الارتباط وجعلهم شعوبا وقبائل وأعطى الحق لأهله ورد كل فرع لأصله واقتفى أثره في ذلك خلفه الكرام قدس الله أرواحهم في دار السلام.
والحقيقة المرة هو أنه كثر مدعو هذا النسب الكريم طوال القرون الماضية وزاد الطين بلة في وقتنا الراهن واستبيح النسب الكريم لسيد الأنام عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام وترك الأمر في أيدي من لا يخشى الله وتم بيع نسبه الشريف بأبخس الأثمان .
وحاشى أن يكون رب العباد بغافل عن ذلك فهو يكشف أمر من تحقق نسبه ويكشف الداخل فيه بغير حق ، وهو الحافظ لكتابه العزيز من التزوير والتدليس فكيف لا يحفظ جل جلاله نسب نبيه الكريم . فعن زيد بن الأرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما."
والجدير بالذكر في هذا المقام أن المؤرخين المغاربه اهتموا جميعهم بأمر الأنساب، ولذلك نجد العشرات من التآليف التي تنصب على معالجة هذا الموضوع ، إذ نجد أنهم جميعهم وهم يتحدثون عن تاريخ بناء فاس مثلاً لابد وأن يستحضروا مؤسس هذه المدينة، ويذكرون نسبه وذريته، كما نجدهم أي المغاربة، وهم يتصاهرون بعضهم مع بعض، يحرصون على ذكر شجرة الشريف منهم في صلب عقد الصداق بحيث نجد أن الزوج الذي ينتسب للدوحة الشريفة يحرص على ذكر والده وجده الى أن يصل إلى الإمام علي وزوجته السيدة فاطمة الزهراء، وهكذا كان الأمر بالنسبة للزوجة الشريفة التي تحرص على أن يذكر أسلافها واحداً واحداً إلى مولانا علي ومولاتنا فاطمة...
بتصرف عن كتاب الدررالبهية للشريف العلامة مولاي ادريس الفضيلي