استجابة لشرط من شروط السجان الظريف والكريم,بسجن الأشراف الأدارسة الثقافي, أضع بين يدي أبناء عمومتي الشرفاء الأدارسة ,وصفا للطرق المؤدية الى قبيلتي " أولاد سيدي زكري" (أو الزكارة) : النص مأخوذ من كتاب تاريخي عن القبيلة سيصدر لاحقا:
1 الطرق المؤدية إلى الزكارة:
1.1: طريق الغرب:
من غير المعقول في تاريخنا هذا ,2008, أن نتحدث ,على غرار دوفوكو,عن مفازة أو صحراء أنكاد الكئيبة,الممتدة من للا مغنية إلى واد زا ؛ ولا عن قطاع طرق خسيسين ؛إن كانوا قد نالوا من الرحالة العبدري,وهذا ما توحي به حدة كلامه ,فقد تمكن هو من تخليد دناءتهم عبر القرون.
عشرون دقيقة فقط ,بالسيارة, توصل إلى النعيمة,المركز الإداري لقبيلة لمهاية ؛حيث تنفذ منها طريق مسفركي جنوبا صوب جبال الزكارة ؛مخترقة ,في بدايتها,غابة صنوبر جميلة.
بعد قطع مسافة خمسة عشر كيلومتر ,كلها معبدة , حيث يشعر المسافر وكأن جبال القبيلة اصطفت على يساره لترحب بمقدمه ؛ تماما كما فعلت مع مسافري كل الأزمنة الذين عبروا سهل أنكاد . بعد هذا تسير السيارة صعدا في تيزي اعيسى لتطل على منحدر خفيف ,يتقاطع مع واد اميطر وواد مسفركي : الأول جف منذ زمن ؛ والثاني يحجز صبيبه ,الذي أصبح متواضعا ,في عاليته ليروي ,عبر ثلاث سواقي, نفس البساتين التي تحدث عنها فوانو منذ قرابة قرن من الزمان.
نحن الآن في مستفركي المركز الإداري للشطر الغربي من القبيلة ,حيث تتواجد الجماعة القروية ,ومدرسة الإمام مسلم المركزية ,والمستوصف ,ومركز للتكوين المهني والسوق الأسبوعي ( المتواضع جدا),ومساكن ,في جوار السوق ومقر الجماعة, تقدر بحوالي المائتين. هذا عدا الدواوير البعيدة التي ستذكر لاحقا.
منذ سنين أصبح مستفركي مركز استقطاب لساكنة الدواوير الزكراوية المحيطة؛خصوصا بعد أن بددت الكهرباء ظلامه منذ ثمان سنوات .
بل وأصبح مركز استقطاب أيضا لساكنة المدن من أبناء القبيلة الذين أتيح لهم أن يشيدوا به مساكن رئيسية أو ثانوية.
شرعت في بناء مسكني سنة 1996 ,وحللت به راحلا من مدينة القنيطرة؛وهو ما فعله والدي أيضا ,قادما من فاس سنة 1995.
كل العوامل ترشح مستفركي لتصبح,تدريجيا, مدينة في المستقبل , ولو البعيد.حينما يتحقق هذا يجب أن تتذكر الأجيال اللاحقة هؤلاء البناة الأوائل .
انفصل الشطر الشرقي للقبيلة ,إداريا ,منذ حوالي العشرين عاما ؛حيث أصبح تابعا
لجماعة قروية مستحدثة هي جماعة سيدي بولنوار (أبو الأنوار), الواقعة جوار واد إسلي الشهير. سأتحدث في حينه عن الداعي إلى هذا الانفصال اللامعقول ,اجتماعيا واقتصاديا.
2.1: طريق جرادة:
بعد قطع مسافة ستة عشر كيلومترا ,من الطريق المؤدية إلى جرادة,التي انتهى دورها منذ سنين معدودة كمدينة منتجة للفحم الحجري, تعرج السيارة يمينا ,لتقطع بعد مسافة قصيرة واد إسلي ,الذي شهدت جنباته معركة إسلي المعروفة .
بعد كيلومتر تقريبا على المسافر أن يختار بين الاستمرار في الطريق إلى النعيمة ؛ومنها إلى مسفركي كما سبق,أو الانحراف يسارا عبرسيدي موسى و تنزي .
يتعلق الأمرهنا بطريق جبلية قديمة؛ معبدة حديثا ,تمتد على مسافة عشرين كيلومترا.
بعد حوالي خمس كيلومترات منبسطة ,تدخل السيارة منعرجات صاعدة يفضي بعضها إلى بعض ,وصولا إلى قرية تنزي ؛ومنها إلى منبسط القباب ,الذي يطل عليه ,في شموخ وعزة سلطان جبال الزكارة :جبل ثامنارث .
وفي خلفية,جنوب منبسط تافرنت أو القباب تتراءى غابة جبل المعدن التي لا تزال محتفظة على بعض من كثافتها القديمة.
تحدث فوانو عن الواجهة الجنوبية لجبل المعدن ,وتراءت له عارية إلا من شجيرات معدودة ,لأن هذه الواجهة هي الأقرب,منذ القديم, لفؤوس الساكنة ؛أما الواجهة الشمالية ,وهي داخلية ,وصعبة المسالك ,فقد حافظت على روعة تغريني دائما بالنزول من السيارة والتيه فيها صعودا ونزولا.
تؤثث المنبسط قباب على مقابر لشرفاء أدارسة ,من أولاد سيدي أحمد بن يوسف,وقد وفدوا على القبيلة زمن القائد رمضان(النصف الثاني من القرن التاسع عشر) ,سيأتي ذكرهم لاحقا؛في معرض تفنيد مقولات موليراس العقائدية.
ثم ينحدر المسافر ,عبر( تيزي نلياس ) :أي إلياس,بعد أن يرتوي إن أراد من عين
( ملول) العذبة ؛وإن كانت تحتضر, على ما يبدو من صبيبها الضعيف.ربما لقلة التساقطات ,وربما بسبب بئر حفرت في عاليتها القريبة.
من تزي نلياس إلى( أزغوغ) نزولا؛حيث تعبر الطريق حقول لوز وزيتون تحيط بها جبال, مكللة قممها بسياج من أشجار العرعر والصنوبر, من كل الجهات؛ ماعدا المجاز إلى مركز مسفركي عبر بوسنة,يسارا ثم جبل( أيرواو) يمينا : بالعربية المخبأ : يبدو أن سفحه الجنوبي كان يتضمن مطامير لتخزين الحبوب ؛ومن هنا التسمية.( ييرو) الزناتية تعني خبأ.
ثم منحدر الحمري العابر لدوار (إيريماين) : أولاد بوريمة .سيأتي تفصيل الحديث عنه ,في حينه, لأهميته .
يرافق واد مسفركي الجاري المسافر ,عن شماله؛ وصولا إلى المكان المسمى (بلسود) :ابن الأسود؛ حيث المرافق الإدارية السالفة الذكر.
3.1: طريق العيون:
تنفصل عن طريق لعيون حاسي بلال ,بعد كيلومترين ,تقريبا. تتجه,يسارا إلى مسفركي عبر سهل أنكاد ؛ الذي لم يعد مجرد صحراء كئيبة ,كما قال عنه دوفوكو.
ضمن هذا السهل ,وعبر طريق معبدة منذ سنين معدودة,تخترق السيارة ضيعات فلاحية حديثة ,تكتسح باستمرار أراضي شاسعة ظلت بورية إلى عهد قريب.
ترتد بداية هذه المشاريع إلى فلاحين من بني يزناسن ,استغلوا رخص الأرض كنتيجة لتوالي سنين الجفاف ,وتفتت الملكيات الكبيرة ,والهجرة القروية ,فحفروا ثقوبا مائية ,ذات صبيب يصل إلى 25لترا في الثانية, مكنتهم من إنتاج فلاحي غزير ومتنوع.
عمت روح المغامرة مستثمرين فلاحيين من القبيلة, فساروا في نفس الاتجاه ,وهم اليوم من كبار فلاحي المنطقة.
منذ سنين قليلة شيدت الزاوية البودشيشية فرعا كبيرا لها بأنكاد الزكارة ,وفي نفس الوقت احتفظت بمركزها بقرية مداغ. سمعت من مريد لهذه الزاوية أن الشيخ حمزة,وهو اليوم طاعن في السن, طاب له المقام بهذا الفرع لجودة الماء والهواء؛فهو لايكاد يغادره.
هل اختارت الزاوية القبيلة, أم سهلها ,فقط,لرخص ثمنه؟ سؤال تملك الزاوية وحدها الإجابة عنه.
يبدو حاليا أن ساكنة القبيلة لا تستهويها الطرقية عموما,وليس الزاوية البودشيشية فقط ؛وهذا الطبع متأصل فيها ,استنادا إلى الملاحظة الشخصية .
موليراس نفسه لاحظ هذا وسجله وسأناقش المسألة في حينها.
يروى عن أحد القائمين على فرع الزاوية قوله: إذا رأيت زكراويا داخلا للزاوية فهو,بدون شك, طالب عمل لا غير.
مع الاقتراب من مسفركي ,عبر هذه الطريق, يتراءى لنا في خلفية التلال ,جهة اليمين,(آلغ أووذاي) : جبل اليهودي .وسأتحدث عما ترويه الأسطورة عن هذا اليهودي لاحقا.
بوابة مسفركي ,عبر هذه الطريق ,هي المنبسط المسمى
ثايلمامت) أي الضاية.
والجمع: ثييلمامين. تسمية تحيل على ماض غابر كانت المياه تغمر فيه المنطقة .أما اليوم فهي غائرة إلى عمق لا يقل عن مائة وخمسين مترا ,حسب دراسة ميدانية حديثة.
في عملية حفر تجاوزت الثمانين مترا,قام بها عبد القادر المنصوري ,وهو فلاح من المنطقة ,وصل المسبار الى فرشة مائية قدرت باثني عشر مترا( 12) .
على بعد حوالي كيلومتر ونصف ,في سفح الجبل المطل شرقا على مقر الجماعة تمكن فريق ياباني,منذ عشرين عاما, من الوصول إلى المياه الجوفية,بصبيب جيد ؛على عمق مائتين وأربعين مترا.
لقد فرح هؤلاء الأجانب يومها كما يفرح الأطفال ؛بل وساروا على نهج الفلاحين المغاربة فذبحوا خروفا احتفاء بالحدث السعيد.
لقد وصلنا إلى سوق مستفركي الأسبوعي(يلتئم يوم الإثنين) . سوق فقير جدا ,من جميع الجوانب؛حتى سمي سوق الشياخة) أي المذاكرة ؛مادام البيع والشراء آخر ما يفكر فيه المتسوقون. سنقارب هذا السوق أكثر أثناء عرض الوضع الاقتصادي للقبيلة.
4.1: الطريق الغابوية المفضيةإلى جرادة:
يمتد هذا المسلك الجبلي والغابوي ,القديم, على مسافة ثلاثين كيلومترا تقريبا ؛كانت إلى عهد قريب تقطع مشيا على الأقدام ,من طرف المتسوقين الذين يترددون صيفا على جرادة ,بحمولات دوابهم من ثمار الصبار الهندي والتين والمشمش.
يذكر الأقدمون أنهم لم يكونوا يسيرون إلا جماعات خوفا من الضباع.
وقد روى لي أحمد ولد مريم,من أولاد امحمد(70عاما) ,كيف عاين ذات مرة, وهو طفل, تخطف الضباع لصبي,كان برفقة أمه في هذه الطريق.
يبدوا أن هذا الحيوان انقرض اليوم نهائيا من غابة الزكارة .على مدى سنين من القنص في الجبال والغابة ,لم أصادف ,كغيري من القناصين سوى الثعالب ,وذئاب
قليلة ؛آخذة بدورها في الانقراض.
على القادم من جرادة أن ينحرف يسارا,لدى بلوغه القرية المسماة لعوينات(3كلم) .بعد صعود عقبة طويلة مفضية إلى قمة من قمم جبال بني يعلا(آث يعلا) ينحدر المسافر عبر المنحدر المعروف بالركادة.
في أعلى الجبل ,شرقا ,عين تيسوريين ذات المياه الباردة جدا في الصيف.بجوارها مصطاف جبلي شيد الفرنسيون به دورا إبان تواجدهم بمناجم جرادة.
لم يبق إلا اجتياز المنبسط المعروف بسهب أحمد,ذي التربة الخصبة بفعل الترسبات الغابوية ؛وهو بعرض خمسة كيلومترات تقريبا ,وتقطنه ,إلى جانب قلة من الزكراويين ,عائلات غواطية ,استوطنت المنطقة ,قادمة من الجزائر,منذ أزيد من قرن ونصف.
تشكل هذه العائلات دوارا متكاملا ؛لكنه موزع اداريابين خمس جماعات قروية: أولاد بلحاج تابعون لجماعة مستفركي ؛ أولاد بوعيشة تابعون لجماعة كنفودة ؛غواط بلاد عجور تابعون لجماعة لعوينات ؛ومن لغواط من هو تابع حتى لجماعتتي سيدي بولنوار ,وسيدي موسى لمهاية.
هذه الوضعية الادارية الغريبة –وهي في الحقيقة وضعية انتخابية ليس الا- كانت موضوع مداخلة لي في حضرة السيد والي صاحب الجلالة بالجهة الشرقية,في اجتماعه بأطر حزب الاستقلال بعمالة وجدة أنكاد بتاريخ فبراير 2009.وقد اهتم بالموضوع .
كانت هذه العائلات تتعاطى قديما لتربية الإبل ؛وأذكر ,ونحن أطفال في الستينيات ,مدى الفرح الذي كان يغمرنا عندما تتراءى لنا من بعيد جمال المسمى بلحاج ,وهي آخذة في الانحدار بتؤدة عبر (تلاث أوورثان) :شعبة البساتين ؛ لترتوي من واد مسفركي.
كنا ,يومها,نتخلى عن تسلياتنا الطفولية كلها؛ عدا ملازمة هذه الكائنات الصحراوية ,ذات الرغاء والكبرياء.
يفضي سهب أحمد إلى عالية واد العطشان ؛ الذي ينحدر مجراه الجاف إلى أن يلتقي بواد مسفركي ,في النقطة المسماة :ملتقى الويدان.
ترافق مجراه ,وتتقاطع معه, طريق مرشحة للتعبيد قريبا تصل إلى سوق مسفركي السالف الذكر.
تخترق طريق العطشان شعب وغابات جبلية لم يعد لها من مجدها الغابر سوى القليل ؛ولم تعد لها تلك الهيبة التي كانت تخيف الناس ,كما سلف.
هي اليوم مجال للقنص تكتريه جمعية مستفركي للقنص التي أسستها ,بمعية قناصين محليين , سنة 2002.
وصولا إلى هذا الحد يغريني أن أقول : كل الطرق تؤدي إلى الزكارة ,بسلاسة , إلا طريق التاريخ القديم المحفوفة بالمزالق؛لكن يبدو اليوم أن شجرة جدنا سيدي زكري ,الشريف الادريسي ,الشمسي النسب, أشعت نورا فأضاءت مسالك القبيلة
صوب نسبها وأصلها الحقيقين.
مركز رفع الملفات
كل الطرق تؤدي الى أولاد الشريف الادريسي سيدي زكري
العرض المتطور
