السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
~§][][ السيدة رقية بنت محمد ذات الهجرتين][][§~
هي رقية بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم
القرشية الهاشمية رضي الله عنها أبوها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأمها أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد الأسدية
القرشية رضي الله عنها، وكنيتها أم عبد الله ولقبها ذات الهجرتين
لأنها هاجرت الهجرة الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة ،
وهي الابنة الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم بعد زينب ، ولدت
في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية بنحو سبعة أعوام .
~§][][ زواجها من عُتبة ][][§~
لم يمض على زواج زينب الكبرى غير وقت قصير، إلا وطرق باب
خديجة رضي الله عنها ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وفد من
آل عبد المطلب، جاء يخطب رقية وأختها التي تصغرها قليل رضي
الله عنهما لشابين من أبناء الأعمام وهما (عُتبة وعُتيبة ) ولدا أبي
لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأحست رقية وأختها انقباضا لدى أمهما خديجة رضي الله عنهم ،
فالأم تعرف من تكون أم الخاطبين زوجة أبي لهب ، ولعل كل بيوت
مكة تعرف من هي أم جميل بنت حرب ذات القلب القاسي والطبع
الشرس واللسان الحاد.
ولقد أشفقت الأم على ابنتيها من معاشرة أم جميل، لكنها خشيت
اللسان السليط الذي سينطلق متحدثا بما شاء من حقد وافتراء إن لم
تتم الموافقة على الخطوبة والزواج ، ولم تشأ خديجة رضي الله عنها
أيضا أن تعكرعلى زوجها طمأنينته وهدوءه بمخاوفها من زوجة أبي
لهب وتمت الموافقة ، وبارك محمد صلى الله عليه وسلم ابنتيه ،
وأعقب ذلك فرحة العرس والزفاف وانتقلت العروسان في حراسة الله
إلى بيت آخر وجو جديد.
~§][][ بدء الدعوة إلى الإسلام ][][§~
ودخلت رقية مع أختها أم كلثوم رضي الله عنهما بيت العم ، ولكن لم
يكن مكوثهما هناك طويلا فقد تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم
رسالة ربه ، وأخذ يدعو إلى الدين الجديد سرا ، فاستجاب لله عز وجل
من شاء من الرجال ومن النساء والولدان.
وعندما علم أبو لهب بذلك أخذ يضحك ويسخر من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم رجع إلى البيت ، وراح يروي لامرأته ما كان من أمر
محمد صلى الله عليه وسلم ابن أخيه الذي أخبرهم أنه رسول الله إليهم ،
ليخرجهم من الظلمات إلى النور وصراط العزيز الحميد ، وشاركت
أم جميل زوجها في سخريته وهزئه.
ولعب شيطان الحقد في نفسها، وأحست برغبة عنيفة في داخلها للانتقام
من أقرب الناس إليها من رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما، وإن كان
هذا الانتقام سيؤذي ولديها ، وسلكت ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبشع السبل في اضطهاده، وزادت على ذلك أن أرسلت إلى أصهار رسول
الله تطلب منهم مفارقة بنات الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما أبو العاص
رضي الله عنه فرفض طلبهم مؤثرا ومفضلا صاحبته زينب رضي الله عنها
على نساء قريش جميعا ، وأما عُتبة وعُتيبة فلقد تكفلت أم جميل بالأمر
دون أن تحتاج لطلب من أحد.
وطفقت أم جميل تنفث سمومها في كل مكان تكون فيه، و راحت تزين
للناس مقاومة الدعوة، واجتثاث أصولها ، لأنها تفرق بين المرء وأخيه ،
وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، وفصيلته التي تؤويه.
ولما انتهت من طوافها، وهي تزرع بذور الفتنة ، وتبغي نشر الحقد
والفساد ، راحت تجمع الحطب لتضعه في طريق رسول الله صلى الله
عليه وسلم لتؤذيه .
ولكن القرآن الكريم تنزل على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
نديا رطبا، ونزل القرآن يشير إلى المصير المشؤوم لأم جميل بنت حرب ،
وزوجها المشؤوم أبي لهب ، قال الله تعالى :
(( تبت يدا أبي لهب وتب *ما أغني عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا
ذات لهب* وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبلاً من مسد ))
وكانت رقية وأم كلثوم في كنف ابني عمهما، لما نزلت سورة المسد ،
وذاعت في الدنيا بأسرها ، ومشي بعض الناس بها إلى أبي لهب وأم
جميل ، فاربد وجه كل واحد منهما ، واستبد بها الغضب والحنق ، ثم
أرسلا ولديهما عُتبة وعُتيبة وقالا لهما :
إن محمدا قد سبهما ، ثم التف أبو لهب إلى ولده عتبة وقال في
غضب : رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنة محمد .
فطلقها قبل أن يدخل بها ، وأما عُتيبة ، فقد استسلم لثورة الغضب
وقال في ثورة واضطراب : لآتين محمدا فلأوذينه في ربه.
وانطلق عتيبة بن أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فشتمه ورد عليه ابنته وطلقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "
واستجابت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأكل الأسد
عُتيبة في إحدى أسفاره إلى الشام .
~§][][ زواجها من ذي النورين ][][§~
شاءت قدرة الله لرقية رضي الله عنها أن ترزق بعد صبرها زوجا
صالحا كريما من النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وأحد
العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو (عثمان بن عفان ) رضي الله عنه
وهو من السابقين إلى الإسلام ، ومن رجالات قريش نسبا ومالا وجمالا
فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ، ويروى في زواجهما
أنه لم يُر زوجان قط أجمل منهما ولا أبهى ، وأن النساء غنين في
عرسهما :
أحسن شخصين رأى إنسانُ ----- رقية وبعلها عثمان
ودخلت رقية رضي الله عنها بيت الزوج العزيز، وهي تدرك أنها
ستشاركه دعوته وصبره ، وأن سبلا صعبة سوف تسلكها معه دون
شك إلى أن يتم النصر لأبيها وأتباعه. وسعدت رقية رضي الله عنها
بهذا الزواج من التقي النقي عثمان بن عفان رضي الله عنه.