بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اما بعد: بمناسبة حلول فاتح شهر محرم لعام 1436 الهجري، اهل الله تعالى هذا الشهر المبارك الفضيل على الامة الاسلامية قاطبة وشعوبها باليمن والبركات، والامن والهناء، والرقي والازدهاء.
والامة الاسلامية وهي تحتفل بيوم من ايامها المجيدة، وذكرى من ذكرياتها الخالدة، الا وهي ذكرى فاتح محرم، فاتح السنة الهجرية، فاتح صفحة جديدة في مسار الدعوة الاسلامية والرسالة المحمدية التي شاءت الحكمة الالهية ان تكون اخر اتصال بين الارض والملا الاعلى، وان يكون صاحبها سيدنا ومولانا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام خاتم الانبياء والمرسلين. وبعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة والى اخلاص العبودية لله الواحد الاحد وتنقية التصورات الايمانية للربوبية والالوهية من كل الشوائب التي تراكمت في معتقدات الناس حقبا طويلة، وبعد معاناة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلة المؤمنة معه من عناد وكفر وكيد كفار قريش، امر الحق سبحانه نبيه بالهجرة من مكة، مسقط راسه، الى المدينة المنورة التي كانت تسمى قبل البعثة بيثرب.
ان الرسول الكريم هاجر رفقة صاحبه ابي بكر الصديق - رضي الله عنه - ليس معه مال ولا متاع، يحمل معه فقط ايمانه وعقيدته، ذلك الايمان الذي يعطي للنفس سكينتها وللروح طمانينتها، هذه السكينة التي غمرت قلب الرسول الامين يوم الهجرة فلم يعتره هم ولا حزن ولم يستبد به خوف ولا وجل.
ان العبرة المستخلصة من حدث الهجرة تكمن في ان المسلم امامه هجرات كثيرة ومتنوعة تنتظره في حياته ومعاشه، وتتمثل في هجرة الشك الى اليقين، وهجرة الوهم الى الحقيقة، وهجرة الكسل الى العمل المثمر، وهجرة الخمول الى العمل البناء لعمارة الارض وبناء الحضارة واسعاد الانسان، وهجرة البغضاء والكراهية الى المحبة والالفة، وهجرة الرذيلة بمختلف صورها الى الفضيلة التي تزكي النفوس وتطهر الارواح، وهجرة التنازع والتطاحن الى التعاون والتكافل والتازر، اي هجرة سبل الشر الى مسالك النجاح والفلاح، والهجرة في الحياة الحاضرة تعني التغير والتغيير من حال الى حال افضل منه. ويتعين على المسلم بهذه الهجرات و غيرها، ان يخلد حدث الهجرة النبوية، فيضع الموازين القسط والمعايير العادلة لكل قول يقوله او عمل يقبل عليه، مميزا في ذلك بين اسباب البناء وعوامل الهدم وبين الشر الخفي والمعلن، وبين خير الفرد والمجتمع والامة.
ان الهجرة النبوية شكلت نقطة تحول في تاريخ الامة الاسلامية بل في تاريخ الانسانية كلها، حيث سماها الله نصرا فقال تعالى: " ان تنصروه فقد نصره الله ..."، مما جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجعلها بداية تاريخ المسلمين، حتى يبقى حدث الهجرة في اذهان الامة كل لحظة من لحظات حياتها، وان هذه الهجرة لم تكن فرارا او خوفا من المشركين ولم تكن من اجل طلب الدنيا وزهرتها وانما كانت بحثا عن تربة جديدة طيبة وموطن صالح لاقامة المجتمع الاسلامي ونشر الدعوة الاسلامية حتى تعم الافاق.
كل عام وانتم بخير بموفور الصحة والسعادة والهناء وطول العمر ووفقكم الله جل جلاله لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.